جولة ترامب في الشرق الأوسط

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 13 مايو 2025 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

يقوم الرئيس الأمريكى ترامب بجولة فى الشرق الأوسط، وبالأحرى فى منطقة الخليج، فى الفترة من ١٣ إلى ١٦ مايو ٢٠٢٥، يزور خلالها كل من السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وقد غير ترامب خلال فترة رئاسته الأولى (٢٠١٧-٢٠٢٠) تقليدا أرساه الديمقراطيون وتبعه الجمهوريون، بأن تكون أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكى عقب توليه السلطة إلى المكسيك أو كندا، أو كليهما، بحكم الارتباط الجغرافى والأمنى والاقتصادى والتجارى والسياحى بين الدول الثلاث، وكانت أول زيارة خارجية لترامب فى رئاسته الأولى إلى السعودية، حيث عقد خلالها قمة أمريكية سعودية، وأخرى مع دول مجلس التعاون الخليجى، وثالثة مع مجموعة دول عربية، وقد اتبع هذا التقليد الجديد الرئيس بايدن الذى خلف ترامب، والأسباب الرئيسية وراء ذلك حاجة الولايات المتحدة الأمريكية الملحة إلى استثمارات جديدة فى الاقتصاد الأمريكى الذى يعانى أزمة اقتصادية ومالية كبيرة، وزيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول مجلس التعاون الخليجى، باعتبارها واحدة من أهم الصناعات التصديرية الأمريكية، وتوثيق العلاقات الأمريكية معها.

يأتى ترامب إلى الشرق الأوسط فى ظل أوضاع وظروف مختلفة عن زيارته الأولى، فالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أدت إلى دمار شامل للمرافق والبنية الأساسية وتدمير نحو ٨٠٪ من الأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات وقتل أكثر من ٥٢ ألف شخص معظمهم أطفال ونساء، وجرح نحو ١٢٠ ألف شخص، وفرض حصار لمنع الغذاء والدواء والوقود، ولم يف ترامب بوعده لمن انتخبوه من الجاليات العربية والإسلامية الأمريكية بوقف القتال ورفع الحصار عن قطاع غزة سوى لفترة قصيرة، عادت بعدها الحرب والقتل والتدمير والحصار، كما امتدت عمليات التدمير والتهجير الإسرائيلية إلى المخيمات الفلسطينية فى الضفة الغربية، ولم تنسحب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وفق الاتفاق الذى رعته واشنطن، وتوسعت إسرائيل فى اعتداءاتها على سوريا واحتلال مناطق سورية جديدة، والادعاء بأنها تحمى الدروز السوريين، وسبق أن أعلن ترامب الحرب على الحوثيين فى اليمن بدلا من وقف الحرب فى غزة، وبعد تدمير ميناء الحديدة والعديد من المنشآت المدنية والعسكرية اليمنية، وقيام القوات الإسرائيلية بتدمير مطار صنعاء  ومخازن الوقود والمنشآت الأخرى، أعلن ترامب، دون تنسيق مع إسرائيل، التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين بوقف الضربات الأمريكية مقابل عدم تعرضهم للسفن الأمريكية مع استمرار تعرضهم للسفن الإسرائيلية ولإسرائيل ذاتها ما لم توقف الحرب وترفع الحصار عن الفلسطينيين فى غزة.

كما تحسنت علاقات إيران بدرجة كبيرة مع دول الخليج العربية، وبدأت واشنطن محادثات غير مباشرة حول الملف النووى مع إيران دون تنسيق مع إسرائيل، ويؤكد ترامب عدم السماح لإيران بإنتاج أسلحة نووية، فى الوقت الذى تنفى فيه إيران ليل نهار أنها ستنتج أسلحة نووية، بينما إسرائيل لديها أسلحة نووية وهدد أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية باستخدامها فى الحرب على غزة وأيده سيناتور جمهورى أمريكى، ولم تعد إيران فزاعة لدول الخليج العربية، ولم تعد مبالغات إسرائيل عن مخاطر السلاح النووى الإيرانى مقنعة حتى لواشنطن نفسها التى تعمل على التوصل إلى اتفاق نووى جديد مع إيران، رغم تأرجح المفاوضات بين انفراجة وتشدد، واستمرار الضغوط الأمريكية ومقاومة إيرانية لهذه الضغوط.

سبق أن أعلن ترامب أن جولته لن تشمل إسرائيل هذه المرة وأنه قد يتم ترتيب زيارة خاصة لها فى مرحلة لاحقة، وهذا على عكس جولة ترامب فى رئاسته الأولى حيث اتجه بطائرته من الرياض إلى تل أبيب مباشرة، وواضح أنه خلف الدعم الأمريكى غير المحدود لإسرائيل خلافات مع حكومة نتنياهو اليمينية وتمسكها باستمرار حربها على غزة ولبنان وسوريا، مما يسبب إحراجا وإضرارا لسمعة واشنطن فى المنطقة خاصة خلال زيارة ترامب للسعودية وقطر والإمارات العربية، ولا يحمل ترامب معه أى خطط أو برامج محددة لتحقيق وعوده بأن يسود السلام فى الشرق الأوسط، وقد حاولت إسرائيل إقناع ترامب أن يمر على إسرائيل ولو لساعات قصيرة، وقام وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية ديرمر، وهو من المقربين لنتنياهو، بزيارة  واشنطن يوم ٨ مايو ٢٠٢٥ وأجراء محادثات مع ويتكوف المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط، ووزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو بحضور ترامب، بشأن المحادثات الأمريكية مع إيران وموقف إسرائيل منها، والحرب على غزة والخطة المقترحة لإدخال المساعدات لسكان قطاع غزة، والوضع فى سوريا ولبنان، والاتفاق الأمريكى بوقف الحرب مع الحوثيين فى اليمن مقابل عدم التعرض للسفن الأمريكية وما أثاره من عدم ارتياح كبير لدى نتنياهو وحكومته، وقد تسرب عقب اللقاء أن ترامب قرر عدم إجراء اتصالات مع نتنياهو، وأن ديرمر تحدث خلال اللقاء بتعال وعجرفة أثارت الاستياء.

***

يعقد ترامب قمة أمريكية سعودية مع ولى العهد رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، فى يوم ١٣ مايو، فى أجواء من التعاون الثنائى الوثيق بين البلدين، وتقدير ترامب للوساطة السعودية بين واشنطن وموسكو وأوكرانيا واستضافة السعودية لعدة جولات من المباحثات بشأن الحرب الأوكرانية، وسبق أن عرضت السعودية استثمار ٦٠٠ مليار دولار أمريكى فى الولايات المتحدة، ولكن ترامب طلب زيادتها إلى تريليون دولار أمريكي، وتركز زيارة ترامب على الاستثمارات والتعاون الاقتصادى المشترك فى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، والطاقة، والصناعات العسكرية، وبحث إقامة مفاعلات نووية للأغراض السلمية فى السعودية دون ربطها بالتطبيع مع إسرائيل، وهذا مطلب سعودى منذ إدارة الرئيس الأمريكى أوباما، وتعد السعودية فى المركز الثالث للاستثمارات الخارجية فى الاقتصاد الأمريكي، بينما تمثل الاستثمارات الأمريكية فى السعودية نحو ٢٥٪ من إجمالى الاستثمارات الأجنبية.

قد وافقت الإدارة الأمريكية قبيل جولة ترامب على صفقة صواريخ للسعودية بقيمة نحو ٣,٥ مليار دولار أمريكى، وتعتبر مقدمة لصفقة أكبر تقدر قيمتها  بنحو ١٠٠ مليار دولار أمريكى، تصفها واشنطن بأنها لتعزيز أهداف الأمن القومى الأمريكى من خلال تحسين أمن دولة شريكة تساهم فى الاستقرار السياسي، والتقدم الاقتصادى فى منطقة الخليج، وطلبت السعودية نحو ألف صاروخ «جو ــ جو» متوسط المدى و٥٠ وحدة توجيه لهذه الصواريخ إلى جانب خدماتها والدعم اللوجستى.

***

يعقب ذلك فى اليوم الثانى من الجولة عقد قمة أمريكية خليجية بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجى الذين تربطهم علاقات تعاون وثيق مع واشنطن سواء على المستوى الجماعى أو الثنائى مثل ما تقوم به سلطنة عمان من دور وساطة بين واشنطن وطهران واستضافة محادثات غير مباشرة بينهما بشأن الملف النووى الإيرانى؛ حيث سيعرض ترامب مسار المفاوضات والموقف الأمريكى من بنود الاتفاق المنتظر مع إيران إذا أخذت المفاوضات مسارا إيجابيا، ويعرض ترامب رؤيته للأوضاع فى منطقة الخليج والشرق الأوسط بكل حروبه وأزماته، والموقف الأمريكى من التعاون الأمنى مع دول المجلس، وأهمية تأمين الممرات الملاحية المائية سواء فى الخليج أو باب المندب والبحر الأحمر، وسبق أن أعلن ترامب أنه سيعتمد رسميا اسم الخليج العربي، بدلا من الخليج الفارسي، باعتبار أن أغلبية الدول المطلة على الخليج دولا عربية، وهى تسمية لا ترضى إيران التى تتمسك باسم الخليج الفارسى.

تشمل جولة ترامب قطر حيث توجد فيها واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية فى منطقة الخليج ومن المتوقع أن يلتقى ترامب بالجنود الامريكيين فى القاعدة، وقد تولت قطر توسيعها وإعادة تأهيلها أثناء رئاسة ترامب الأولى بتكلفة نحو ثمانية مليارات دولار أمريكى تحملتها قطر بالكامل، كما كانت قطر وسيطا فى الاتفاق الذى وقع بين الولايات المتحدة وطالبان فى الدوحة فى ظل رئاسة ترامب الأولى، وقد تسربت أنباء أن ترامب سيطلب من قطر استثمار تريليون دولار أمريكى فى الولايات المتحدة، وقد سبق زيارة ترامب توقيع عقد فى ٣١ أبريل ٢٠٢٥ بين مؤسسة ترامب الخاصة وشركة الدار القطرية للاستثمار العقارى لبناء مجمع سكنى كبير قرب العاصمة الدوحة.

كما سبق زيارة ترامب للإمارات العربية توقيع اتفاق مع مؤسسة ترامب  لبناء فندق وبرج ترامب فى دبى بقيمة مليار دولار أمريكى ويتكون البرج من ٨٠ طابقا وسبق أن قررت الإمارات فى مارس ٢٠٢٥، استثمار ١٤ مليار دولار أمريكى فى الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة بالتركيز على البنية التحتية والذكاء الاصطناعى، وتواترت أنباء أن ترامب سيطلب من الإمارات العربية استثمار تريليون دولار فى الاقتصاد الأمريكى، وإذا تم ذلك يمكن أن تسمى جولة ترامب بجولة الثلاث تريليونات دولار أمريكى فى عملية دعم قوية للاقتصاد الأمريكى والنهوض به من عثراته وعدم مقدرته على منافسة الاقتصاد الصينى.

•••

الحقيقة إن أهم أهداف جولة ترامب الحصول على استثمارات، وعقد صفقات أسلحة، وتنسيق سياسات الأمن والطاقة والتكنولوجيا الحديثة مع دول مجلس التعاون الخليجى، أما القضايا والأزمات السياسية فسيكتفى بالتهدئة إن أمكن وعدم حسم أى قضية أو أزمة والاكتفاء بإرجائها بحلول جزئية أو مجرد وعود بحلول قد لا تتحقق.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved