الشعبوية وحقوق الشابات والنساء

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 13 يونيو 2022 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة المغرب مقالا للكاتبة أمال قرامى بتاريخ 11 يونيو تناولت فيه حقوق النساء المفقودة فى ظل الأزمات ومحاولة الجمعيات النسوية استرداد تلك الحقوق المسلوبة... نعرض منه ما يلى.
تتبادل النسويات المنضويات تحت «النسوية العابرة للقوميات» التجارب والمعارف والخبرات، وهو أمر يجعلهن أكثر انتباها للمخاطر التى تهدد حقوقهن، وأكثر قدرة على التحرك فى الوقت المناسب ومن ثمة تغيير استراتيجيات المقاومة. ومن الدروس التى أفادت منها الحركات النسوية والنساء بصفة عامة، أن لفترات «الاستثناء» والأزمات والحروب انعكاسات على حقوق النساء ومكتسباتهن وتداعيات خطيرة على حيواتهن، خاصة على الفئات الهشة. وبناء على ذلك، لا يُعد تحرك التونسيات للدفاع عن حقوقهن وعن المسار الديمقراطى التشاركى «جعجعة» أو «عرضا فرجويا» لنساء تجملن وخرجن لالتقاط صور «السيلفى» وتبادلها عبر مواقع التواصل الاجتماعى. إنه تحرك سياسى معبر عن غضب فئات من التونسيات من الانزياح عن المسار الديمقراطى فلا ديمقراطية بدون النساء، ومنبه إلى إرهاصات التراجع فى زمن الشعبوية The Populist Moment إذ «لا استفتاء على الحريات وحقوق النساء» ومندد، فى الوقت ذاته، بالعنف الذى تمارسه السلطة عندما تحول أجساد النساء إلى مساحة للصراع السياسى، فتكون بذلك لا حامية لكرامة النساء بل معتدية عليهن.
ولا شك أن صمت الدولة على الانتهاكات المتكررة على الشابات والنساء وتصاعد منسوب العنف ضدهن وصدور خطاب رئاسى متورط فى هتك أعراض النساء، يبرر مخاوف التونسيات وفئة من التونسيين الداعمين للحقوق والحريات. فلولا هذا المناخ العام المتسم بالاستقرار السياسى والنزوع نحو احتكار السلطة وممارسة الهيمنة والانقسام والضبابية والتفكك الاجتماعى، لما انتشرت ظواهر مخبرة عن استشراء خطاب الكراهية وعن التقاطع بين كره النساء، و«الأفارقة» و«السود» وأصحاب/صاحبات الهويات اللامعيارية وغيرهم. ولولا هذا المناخ المساعد على «التفرقة»، لما برزت خطابات مناهضة لحقوق التونسيات تدعو إلى الرجوع إلى تطبيق الشريعة و«تعدد الزوجات...».
وعندما تنتشر الشعبوية الداعية إلى هدم ما أُنجز وإعادة النظر فى الخطاب الحقوقى والمعارف القانونية والفكرية من منظور تهكمى يشكك فى نوايا الحقوقيين والمثقفين/ات، ويقلل من شأنهم/ن تكون المحصلة توحد خطابات القوى المحافظة واليمين وكارهى النساء، ومعادى المساواة والحريات وتبرز سرديات تزعم أنها تُعيد الكلمة إلى الشعب، وتظهر دعوات تفضح المستور وتشير إلى الهوامات Fantasmes.
ويحق للتونسيات المؤمنات بالمساواة والعدالة الاجتماعية والجندرية والحريات وغيرها من القيم أن يعبرن عن غضبهن وقلقهن من خلال مجموعة من التحركات، ذلك أنهن لسن معزولات عن العالم ومدركات للنتائج المترتبة عن «الزمن الشعبوى»، المعادى للديمقراطية والعقلانية والنخب والمرحب باللامعقول والعامل على تقسيم المواطنين إلى فئة تمثل الشعب وأخرى تمثل النخب «الفاسدة». وليست السياسة فى مثل هذه الحالة إلا التعبير عن إرادة الشعب، ولا إمكانية لإحداث التغيير والإصلاح إلا من خلال التغيير الراديكالى لمواقع النخب.
والتعالق بين الشعبوية و«المد الرجعى» الذى لا يخص «الإسلام السياسى» فقط، بل إنه يشمل فئة من المحافظين المحسوبين على التيار الحداثى جلى ومفهوم. ففى زمن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتزايد الضغوط وتعدد المطالب وبروز الأصوات المحتجة على تردى الأحوال المعيشية، تُصنع السردية الموهمة بإرساء الإصلاح وتحقيق العدل. فباسم الشعب يُتخلى عن المعايير السائدة فتزاح شخصيات وتحل شخصيات أخرى فى مواقع تتطلب الكفاءة والتجربة والخبرة، وباسم الشعب يعاد تأسيس النظام الاجتماعى ليكون معبرا عن «العدل والإنصاف» لا عن التناصف والمساواة... وهكذا، نتبين أن حقوق النساء هى فى مركز الفعل السياسى وهى جوهر الخطاب الداعى إلى «الإصلاح»، و«تصحيح المسار»، وإعادة ضبط قيم المجتمع ضمن تصور محافظ...
وبما أن حركة التراجع عن الحقوق والحريات لا تخص بلادنا فحسب بل هى توجه تزامن مع «أزمة الديمقراطية» المعولمة وظهر منذ سنوات، فى بولندا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية التى باتت تتحكم فى أجساد النساء فتملى عليهن أداء واجب الإنجاب قسريا، وفى غيرها من البلدان فإن المتوقع هو انطلاق الجمعيات النسوية فى ممارسة النقد الذاتى؛ حتى تتمكن من تجاوز هناتها ومن ثمة العمل على توحيد الصفوف ضمن إيلاف واسع مجسد للممارسات الديمقراطية، ومعبر عن ديناميكية حقيقية تتلاءم مع السياق الحالى.
النص الاصلى
https://bit.ly/3MJ1gD4

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved