أزمات «مثلث برمودا» الشرق أوسطى

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 13 يونيو 2022 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

يبدو الشرق الأوسط حاليا وكأنه محاط أو محاصر بمثلث من الأزمات القابلة للتصعيد ولو بسرعات ودرجات وتداعيات مختلفة. أولى هذه الأزمات الانسداد والتعثر الحاصلان فى الملف النووى الإيرانى. فمن جهة تعتبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تخفى عن مفتشى الوكالة ما تعتبره الأخيرة بعض النشاطات الخاصة بتخصيب اليورانيوم كونها تخرج عن السقف المسموح به. كما أن واشنطن تصر على إبقاء الحرس الثورى على لائحة العقوبات. فى المقابل ترفض طهران «اتهامات» الوكالة كما ترفض ما تعتبره شروطا من خارج بنود وأسس الاتفاق تحاول واشنطن إدراجها فى إطار إعادة تفعيل الاتفاق. وبعيدا عن الخطابات التعبوية والإعلامية فالكل معنى بإنقاذ الاتفاق ولكن يستدعى ذلك التوصل إلى صيغ خلاقة وتنازلات متبادلة ما زال الجميع بعيدا عنها. فى الوقت ذاته تستمر لعبة التصعيد المقيد وتبادل الرسائل فى الخطاب وعلى الأرض فى مسرح المواجهة من الخليج إلى المتوسط.
ثانى هذه الأزمات تتمثل فى «القرار الاستراتيجى» التى أعلنت عنه تركيا بإقامة منطقة آمنة على عمق ثلاثين كلم جنوب حدودها فى سوريا للتخلص من الخطر الكردى والعمل على إحداث تغيير ديمغرافى أساسى فى تلك المنطقة عبر إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين وإسكانهم فى تلك المنطقة. عملية تُلاقى معارضة قوية إقليميا ودوليا لأسباب مختلفة ومن قبل أطراف وقوى لها أجندات مختلفة.
ثالث هذه الأزمات يتمثل فى التصعيد الإسرائيلى فى القدس الشرقية والأماكن المقدسة بشكل خاص من طرف التيارات الدينية المتشددة فى إسرائيل برعاية من حكومة اليمين والتى تحاول المزايدة على قوى المعارضة اليمينية فى الكنيست. يشجع على ذلك عدم وجود أى معارضة خارجية أو فلسطينية فعالة لوقف السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى التهويد التدريجى والكلى عبر طرد السكان والاستيلاء على المقدسات. إن تديين الصراع عبر هذه السياسة الإسرائيلية وإغلاق الأفق كليا أمام التسوية السلمية عبر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لا يساهم فى الحل النهائى للصراع كما تراه وتتمنى حصوله إسرائيل. ما قد يحصل عبر هذا الانسداد الكلى للتسوية العادلة، الناتج عن السياسات الإسرائيلية، هو خلق مناخ من التطرف يسهل انتشار العقائد الهوياتية الكلية اللاغية الآخر من دينية ومذهبية وغيرها والتى يمكن توظيفها فى الصراعات القائمة فى المنطقة.
صحيح أن لكل من هذه النقاط الساخنة مسبباتها والعناصر الخاصة بها والتى تحكم ديناميتها النزاعية. ولكنها تتأثر وتؤثر كل منها بما يجرى فى المنطقة وخاصة فى الصراعات الأخرى. أضف أن هنالك العديد من الدول التى تعيش حروبا ونزاعات ممتدة أو أزمات متعددة الأوجه والأشكال فى المنطقة. تبدو منكشفة، بموقعها فى الجغرافيا السياسية فى المنطقة وببنيتها الاجتماعية، لهذه الصراعات المختلفة والجاذبة فى كثير من الأحيان لهذه الصراعات؛ والأمثلة إلى ذلك عديدة: من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا ووصولا إلى ليبيا. هذه الدول أيضا تبدو بمثابة مسارح مواجهة أخرى، تابعة أو بديلة، لهذه الصراعات إذا ما اشتدت أو انفجرت. فنحن نشهد سباقا بين تصعيد وتسخين جبهات قد ينفجر بما يحمله من تداعيات خطيرة على الجميع وبين احتواء وتجميد للصراعات القائمة والمتفاقمة. يشكل هذا الأمر خطوة ضرورية ولكنها غير كافية إذا لم تتم معالجة شاملة وعلى أسس وقواعد واضحة وحسب القوانين والقرارات والأعراف الدولية لهذه الصراعات، ضمن مقاربة قد تكون تدريجية فى مسارها ولكن يجب أن تبقى شاملة فى أهدافها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved