اقتصاد إفريقيا فى النظام العالمى الجديد

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الإثنين 13 يونيو 2022 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Eurasia review مقالا للكاتب كيستر كين كلوميجاه بتاريخ 6 يونيو تناول فيه تأثير العواقب الوخيمة للحرب الروسية ــ الأوكرانية على قارة إفريقيا، والبحث عن حلول لاقتلاع مشكلة أزمة الغذاء من جذورها... نعرض منه ما يلى:

فى شهرها الرابع، أدت «العملية العسكرية الخاصة» الروسية التى وافق عليها مجلس الدوما ومجلس الاتحاد، والتى تهدف بشكل مباشر إلى «نزع السلاح وتشويه سمعة» أوكرانيا، إلى زعزعة الاقتصاد العالمى. يعتقد بعض الخبراء أن روسيا والصين تعملان بطموح على إنشاء «نظام عالمى جديد» لوقف النظام أحادى القطب وهيمنة الولايات المتحدة.
وعلى صعيد آخر، ذاقت كل من الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبى ودول أخرى مرارة العقوبات الصارمة التى فرضتها على روسيا. لكن معاناة البلدان الآسيوية والإفريقية وأمريكا اللاتينية كانت أكثر تجليا ووضوحا متمثلة فى الأسعار العالمية المتصاعدة وحالة السخط الاجتماعى المنتشر على نطاق واسع ضد الحكومات التى دعمت روسيا المروجة للحرب.
وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، يعتمد ما يقرب من نصف دول إفريقيا البالغ عددها 54 دولة على روسيا وأوكرانيا لاستيراد القمح. تعد روسيا موردا رئيسيا للأسمدة إلى 11 دولة على الأقل. أفادت وكالة رويترز للأنباء أن إفريقيا تعانى من اضطرابات فى الإمدادات الغذائية وارتفاع أسعار السلع الأساسية وعواقب وخيمة محتملة الحدوث إذا استمر الوضع هكذا.
فى أوائل يونيو، ذهب الرئيس السنغالى ماكى سال ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى موسى فكى محمد إلى مدينة سوتشى جنوب غرب روسيا لعقد اجتماع رفيع المستوى مع الرئيس فلاديمير بوتين لمناقشة الإجراءات التى يمكن أن تخفف من حدة المشكلات المتصاعدة المرتبطة بالمدخلات الغذائية والزراعية، وإيجاد بعض الحلول الاستراتيجية فى سياق العلاقات الروسية الإفريقية.
خلال المناقشات، اشتكى ماكى سال صراحة أن العقوبات لم تلقِ بظلالها السوداء على روسيا فقط، بل شملت العالم أجمع وبالأخص إفريقيا مما يشكل تهديدا للأمن الغذائى فى إفريقيا.
تحاول روسيا حاليا إحياء ذكريات العلاقات الودية مع الاتحاد السوفيتى لكسب قلوب قادة إفريقيا وتأييدهم. وأشار بوتين إلى «أننا نولى أهمية كبيرة لعلاقاتنا مع الدول الإفريقية». مضيفا أن تطور العلاقات بين روسيا والقارة السمراء أظهر نتائج إيجابية. لقد كانت روسيا على الدوام إلى جانب إفريقيا، بالأخص أثناء حربها ضد الاستعمار. على الرغم من أن موسكو لم تكن قط قوة استعمارية فى إفريقيا، إلا أنها كانت لاعبا حاسما فى القارة خلال الحقبة السوفيتية، حيث دعمت حركات الاستقلال.
من المسلم به أن علاقات روسيا مع إفريقيا تراجعت بعض الشىء مع انهيار الاتحاد السوفيتى فى عام 1991، وظهرت الصين كقوة أجنبية رئيسية، تستثمر فى العديد من القطاعات فى القارة. فى حين أن البصمات الاقتصادية لروسيا فى تطوير البنى التحتية اللازمة لا تزال غير مرئية بشكل قطعى، فى الوقت ذاته، يستثمر كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وعدد من دول الخليج أيضا بشكل كبير فى إفريقيا.
كان لقاء بوتين مع ماكى سال وبمشاركة موسى فكى محمد مهما جدا فى سياق العلاقات الروسية الإفريقية. يُظهر هذا الاجتماع رفيع المستوى أن العلاقات الروسية الإفريقية قد دخلت مرحلة جديدة من التطور، تشمل توسيع أفق الحوار السياسى، وربما تعزيز المزيد من التعاون الاقتصادى العملى وكذلك إعادة تحديد التبادلات الثقافية مع الدول الإفريقية.
وجاء فى مقال نشرته وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس)، أن المحادثات بين قيادة الاتحاد الإفريقى والرئيس الروسى توضح أهمية تعزيز العلاقات الثنائية. بينما يحاول القادة الأفارقة بناء تضامن دولى يهدف إلى تحقيق سلام حقيقى وأمن عالمى، من المهم أيضا الشروع فى حملة إصلاحية جديدة لتعزيز الزراعة والصناعة فى جميع أنحاء إفريقيا.
• • •
مع تغير الوضع العالمى، هناك حاجة ماسة لمراجعة السياسات. فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يتعين على الأفارقة أن يفهموا أن «النظام العالمى الجديد» الذى تخنقه روسيا والصين فى العالم له قيود. يقول الخبراء إن آثار روسيا الاقتصادية العالمية محدودة على الرغم من طموحاتها لقيادة العالم، وهنا لا يمكنها إلا السعى للتحالف مع الصين والسباحة فى مجد الصين التى أمضت سنوات فى التوسع ووضع سياساتها الاقتصادية عمليا فى جميع أنحاء العالم.
مع العواقب الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية، تعد هذه إشارة أخرى للقادة الأفارقة لإعادة التفكير فى خلق سياسات جديد لاستبدال الواردات. يجب على مواطنى إفريقيا استغلال الأراضى الشاسعة الصالحة للزراعة بدلا من الاعتماد على الغرب. حدوث حالات العجز الغذائى يزيد احتمالية ولادة مشكلة المجاعة خاصة فى منطقتى الساحل والقرن الإفريقى.
فى الأشهر السابقة، أظهر عدد من التقارير التى نشرها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والعديد من المنظمات الدولية والمؤسسات الأكاديمية أن اقتصادات جنوب الصحراء الكبرى من المحتمل أن تتأثر بتخبط الظروف العالمية وانخفاض التدفقات المالية الأجنبية إلى المنطقة. وأشار التحليل إلى أن ارتفاع أسعار الوقود والغذاء سيترجم إلى ارتفاع التضخم فى جميع أنحاء البلدان الإفريقية. ومع ذلك، حذرت معظم التقارير من أن السكان الفقراء سيتأثرون بشكل بالغ السوء جراء تلك الظروف العصيبة.
أشار البعض إلى تزايد احتمالات نشوب صراعات أهلية نتيجة التضخم الذى يغذيه نقص الغذاء والطاقة، لا سيما فى هذه البيئة الحالية التى يتزايد فيها انعدام الاستقرار السياسى. صرح ألبرت زوفاك، كبير الاقتصاديين فى البنك الدولى لإفريقيا، «فى الوقت الذى تواجه فيه البلدان الإفريقية حالة من عدم الاستقرار وتعطل الإمدادات وارتفاع أسعار الغذاء والأسمدة، يمكن أن تلعب السياسة التجارية دورا رئيسيا من خلال ضمان التدفق الحر للغذاء عبر الحدود فى جميع أنحاء المنطقة. وسط مساحة مالية محدودة، يجب على صانعى السياسات التطلع إلى حلول مبتكرة مثل خفض أو التلويح برسوم الاستيراد على الأطعمة الأساسية مؤقتا لتوفير الإغاثة لمواطنيهم».
• • •
من ناحية أخرى، تكافح البلدان الإفريقية بالفعل فى جهود التعافى بعد عامين من كوفيد ١٩الذى أغلقها خلف الحدود. ومن الحقائق الملحوظة أن الانتعاش لا يزال غير متكافئ وغير مكتمل ويحدث بمعدلات متفاوتة من السرعة فى جميع أنحاء المنطقة.
حثت السيدة كريستالينا جورجيفا، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولى (IMF)، الدول الإفريقية على عدم إغلاق التجارة والاستثمار بشكل أعمق خاصة فى الزراعة: «الرسالة التى يحتاج العالم إلى سماعها هى إبقاء التجارة مفتوحة. يمكن للأفارقة مساعدة بعضهم البعض من خلال الاستثمار العاجل فى إنتاج المزيد من الغذاء فى القارة. نحن نبحث عن طرق للاستثمار معك لمرونة مواجهة الصدمات، وخاصة المناخية».
وأكد الدكتور أديسينا، رئيس البنك الإفريقى للتنمية: «يجب أن تصبح إفريقيا حلا لأزمة الغذاء العالمية من خلال إطلاق الإمكانات الكاملة لقطاع الزراعة. ما تفعله إفريقيا فى الزراعة سيحدد مستقبل الغذاء فى العالم، لأن إفريقيا لديها 65 فى المائة من جميع الأراضى الصالحة للزراعة فى العالم التى لم تزرع بعد».
حث رئيس مصرف التنمية الإفريقى الدول الأفريقية على ضمان معايير الجودة لمنتجات الأغذية وتصديرها إلى البلدان الأخرى. بدأت استراتيجية «تغذية إفريقيا» للتحول الزراعى فى إفريقيا (2016 إلى 2025)، لجعل إفريقيا مصدرا صافا للأغذية ونقل القارة إلى قمة سلاسل القيمة العالمية الموجهة نحو التصدير. ويهدف ذلك إلى المساهمة فى القضاء على الفقر المدقع والجوع وسوء التغذية فى أفريقيا بحلول عام 2025.
حاول الدكتور أديسينا، عدة مرات شرح حقيقة بسيطة مفادها أن دفع عجلة التحول الهيكلى للزراعة أصبح ضروريا للغاية حيث لم تكن هناك كرامة لإفريقيا عندما تتوسل البلدان الأخرى للحصول على الطعام. أفريقيا لا تحتاج إلى صناديق من الأغذية المستوردة، «بل بحاجة إلى البذور فى الأرض والحصادات الميكانيكية لجنى الأغذية الوفيرة المنتجة محليا. يجب على أفريقيا أن تغذى نفسها بكل فخر. لا كرامة فى استجداء الطعام».
جلبت جهود البنك 1.5 مليار دولار لمرفق إنتاج الأغذية فى حالات الطوارئ الأفريقى. خلال عرض البنك لبيانه المالى على هامش الاجتماع السنوى، أشار إلى أن المرفق كان استجابة جريئة من قبل البنك لإحداث ثورة فى إنتاج الغذاء والتخفيف من أزمة الغذاء التى تلوح فى الأفق بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
• • •
الآن، من الضرورى أن يبحث القادة الأفارقة عن استثمارات فى الزراعة والصناعة مع شركائهم الأجانب. بشكل أساسى، الاستثمار فى الزراعة، وإضافة تقنيات جديدة لمساعدة المزارعين على زيادة إنتاجيتهم، حتى فى حالة تغير المناخ هو ما يجب أن يكون فى عقول القادة الأفارقة.
لقد شجع مصرف التنمية الإفريقى باستمرار على البناء على إنتاجية أعلى بدلا من الاعتماد على المساعدات. وما زالت تدعو إلى توسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية، وتعزيز المرونة الاقتصادية والاستجابة لصدمات الأزمة الروسية ــ الأوكرانية، وبرامج سوق العمل، وحماية العمال غير النظاميين فى المناطق الحضرية، ومساعدة السكان على الاستثمار فى صحتهم وتعليمهم. تعتبر مجموعة بنك التنمية الأفريقى هى المؤسسة الرئيسية لتمويل التنمية فى إفريقيا.

ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved