الأهم فوز الليبيين

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 14 يوليه 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من يقرأ الصحف المصرية والعربية هذه الأيام يلاحظ أن حفاوتها بتقدم الليبراليين على الإسلاميين فى الانتخابات الليبية، يفوق اهتمامها بالإنجاز الكبير المتمثل فى إجراء أول انتخابات حرة وديمقراطية فى ليبيا منذ أكثر من أربعين عاما، ورغم أن النتائج النهائية للانتخابات لم تعلن بعد، إلا أن التقارير الصحفية تكاد تجمع على أن تحالف القوى الوطنية (الليبرالية والعلمانية) تقدم فى الدوائر التى تم فرز الأصوات فيها متفوقا على حزب العدالة والبناء. الذى يفترض أنه بمثابة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. وإذا صحت تلك التقارير فإن حزب الإخوان سيمثل المرتبة الثانية، وسوف يقود المعارضة فى المؤتمر الوطنى العام (البرلمان الذى يفترض أن ينعقد فى شهر أغسطس المقبل).

 

لم أستغرب حفاوة العديد من الأبواق والمنابر الإعلامية بتراجع الإسلاميين وإقصائهم عن المركز الأول فى الانتخابات الذى احتلوه فى مصر وتونس والمغرب، لكننى استغربت تجاهل أهمية الحدث الأكبر المتمثل فى إجراء الانتخابات الحرة، والذى أزعم أنه أحد مؤشرات عودة ليبيا إلى مجرى التاريخ، وانتقالها من طور الضيعة والمزرعة الخاصة إلى طور الدولة التى تعرف المؤسسات ويحكمها القانون.

 

هذا الخلل فى الرؤية لا يفاجئنا كثيرا فى مصر، لأننا صادفنا تجليات عدة له بعد الثورة، حيث وجدنا أن أغلب المنابر الإعلامية وعددا غير قليل من الليبراليين والعلمانيين ظل هاجسهم الأكبر هو كيفية حصار الإسلاميين وإقصائهم، حتى أصبح ذلك الهدف متقدما على مطلب تثبيت أقدام الثورة فى مواجهة تهديدات الثورة المضادة. وفى الآونة الأخيرة ارتفعت الأصوات عالية فى تلك الدوائر معربة عن الغضب لإعادة أول مجلس تشريعى منتخب بعد الثورة، وداعية إلى استمرار المجلس العسكرى فى الاستئثار بالسلطة التشريعية. ومن أغرب ما تردد فى هذا الصدد إعلان الأخيرين طول الوقت عن انحيازهم إلى الدولة المدنية!

 

إن الذين أتيح لهم أن يروا ليبيا بعد ثورة 17 فبراير يدركون أكثر من غيرهم كيف دمر العقيد معمر القذافى البلد تدميرا كاملا، وأعاده إلى عصر ما قبل الدولة. حيث لا حكومة ولا دستور ولا قانون ولا تعليم أو إدارة أو قضاء، بل ولا شرطة أو جيش. لم يعد فيها شىء غير القذافى الذى كانت أسرته هى شعبه وكلمته هى القانون والدستور وسياسته هى مزاجه الخاص.

 

وحين يحاول أن ينهض ذلك البلد الذى تصور القذافى أنه حوله إلى جثة هامدة استسلمت له، فإن القضية التى ينبغى أن تشغل الجميع فى داخل ليبيا وغيرها هى كيف يمكن أن تقدم له كل صور العون والتأييد لكى يستعيد حيويته وقوامه. وقد أثبتت ثورة الشعب الليبى أنه كان صابرا وكاظما للغيظ ولم يكن مستسلما أو ميتا، وحين انفجر غضبه فإنه صفى حسابه مع العقيد ونظامه. ورد إليه فظائعه التى أنزلها بهم، حتى كان جزاؤه من جنس عمله.

 

ان إقامة العرس الانتخابى فى ليبيا وإتمامه بحرية ونزاهة هى أكثر ما ينبغى أن تحتفى به. ولا يهم كثيرا فى هذه الحالة أى حزب نجح وأى حزب خسر، حيث الأهم أن الشعب الليبى كان الفائز فى النهاية. علما بأن ذلك الفوز بمثابة الخطوة الأولى على طريق تأسيس الدولة المنشودة التى لم يبق فيها القذافى على شىء. وهو طريق شاق وطويل، ليس فقط لأن البناء فيه يبدأ من الصفر، ولكن أيضا لأن الثورة لا تزال تواجه تحديات كثيرة، خصوصا من «فلول» النظام السابق، التى ما برحت تسعى إلى تفتيت ليبيا وإثارة النعرات القبلية والجهوية فيها.

 

قلت لمن سألنى فى الموضوع إن إجراء الانتخابات بحرية ونزاهة هو أكثر ما همنى، وان تقدم الليبراليين وفوز الإسلاميين بالمرتبة الثانية يريحنى إلى حد كبير ويقدم خدمة للأخيرين. وحين أستغرب ما قلت، اضفت ان القضية الملحَّة فى ليبيا هى إقامة الدولة الوطنية، فى حين ان الحديث عن هوية الدولة ترف لا محل له فى هذه المرحلة. ذلك انه ينبغى أن تكون دولة قبل ان تفتح ملف هوية تلك الدولة. وقد كنت أخشى قبل الانتخابات ان يفوز الإسلاميون فيطرحون الهوية قبل الدولة، ويدخلون البلد فى اشكالات كثيرة لا أول لها ولا آخر، لأنهم بذلك يضعون العربة أمام الحصان، لذلك فإن النتيجة خدمتهم بأكثر مما أخرتهم.

 

قلت أيضا إنه لا خوف على الإسلام فى ليبيا، فهو ثابت القدم وراسخ الجذور هناك. وقد أدرك ذلك تحالف القوى الوطنية فأعلن عن التزامه بالمرجعية الإسلامية، ولم يشر إلى الليبرالية أو العلمانية فى خطابه الانتخابى. وما دام الجميع متفقين على الهوية الإسلامية، فلا يهم بعد ذلك أن يتولى السلطة حزب ليبرالى أو إسلامى أو جامع بين الاثنين. خصوصا أن أحدا لم يتحدث عن إقامة الخلافة الإسلامية فى ليبيا. علما بأن الخبرة علمتنا أن أداء الإخوان فى المعارضة أفضل كثيرا من أدائهم فى السلطة، وهم بحاجة إلى وقت لكى يكتسبوا الخبرة الأخيرة. وإذا لم تصدق فتابع ما يجرى فى مصر وقارنه بما يحدث فى تونس. وادع لليبيين بالاعتبار والتسديد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved