استدعاء الدولة الفاشلة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 13 يوليه 2015 - 11:05 ص بتوقيت القاهرة

فى استهداف القنصلية الإيطالية سعى لاستدعاء الدولة الفاشلة.

الضغط المتواصل بالتفجيرات واحدا إثر آخر فى قلب القاهرة يستدعى هذه الدولة حيث تتقوض الثقة العامة فى دحر الإرهاب وتتصدع مؤسسات القوة ويهتز الاقتصاد بقسوة.

دوى التفجيرات الأخيرة فى سياقه وتوقيته وأهدافه مقصود بذاته.

لم يكن الهدف إسقاط أكبر عدد من الضحايا الذين يتصادف مرورهم فى المكان بقدر أن يكون الدوى مسموعا فى أنحاء واسعة من العاصمة وأن يتبدى الفزع فى قلبها بأول ساعات النهار.

فى السياق تتصل هذه العملية بسلسلة من التفجيرات المماثلة فى القاهرة أخطرها اغتيال النائب العام فى ضاحية «مصر الجديدة» واستهداف أحد أقسام حى «٦ أكتوبر» أو المواجهات العنيفة فى «الشيخ زويد»، التى لاقت خلالها «أنصار بين المقدس» خسائر فادحة بين مقاتليها.

أرادت أن تقول إن ميدان المواجهات يتجاوز سيناء والسعى لإعلان إمارة فوقها تبايع «داعش» إلى تقويض الدولة كلها.

وأرادت أن تعلن عدم قدرة السلطات المصرية على تأمين البعثات الدبلوماسية والاستثمارات الأجنبية.

وقد كان لافتا أن استهداف القنصلية الإيطالية يستبق مباشرة زيارة متوقعة لرئيس الوزراء «إبراهيم محلب» إلى روما بصحبة وفد من رجال الأعمال يبحث فى الاستثمارات المشتركة مع دولة ينظر إليها تقليديا على أنها من أهم الشركاء الاقتصاديين الأوروبيين لمصر.

وبحسب السفير الإيطالى فى القاهرة «ماوريتسيو مسارى» الذى التقيته قبل الحادث بيومين فإن «روما حريصة على بناء علاقات قوية مع القاهرة وتأخذ الزيارة على نحو جاد للغاية».

كان مثيرا أن موضوع الإرهاب استغرق الحوار كله وهو رجل ملم بملفاته.

وفى التوقيت تقف العملية الإرهابية المدوية فى قلب العاصمة على الجسر بين تاريخين: (٣٠) يونيو و(٦) أغسطس.

التاريخ الأول يتداخل فيه طلبان، العودة إلى السلطة على ما تأمل جماعة الإخوان المسلمين وتقويض الدولة على ما تسعى «أنصار بيت المقدس».

إذا كانت «داعش» ترفض الديمقراطية بلا هوادة وتناهض أية قيم إنسانية من الأساس فما الذى يدعوها لاتخاذ (٣٠) يونيو موعدا لتفجيراتها؟

بصيغة أخرى: أين الأرضية المشتركة ومواضع الاختلاف بين الجماعة و«داعش»؟

لا إجابات موثقة حتى الآن تضع خطوطا فاصلة بين ما هو يقينى وما هو ظنى ولا خطاب متماسك يسمعه العالم يوضح الحقائق بلا صخب ويقنع بما هو مقنع.

لا يعقل بعد كل عملية إرهابية الحديث باستخفاف عن أية قيم دستورية وديمقراطية وإنسانية، كأنه يمكن كسب الحرب بإهدار دولة القانون.

ولابد أن يكون واضحا الفارق الجوهرى بين المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للدول الكبرى، التى تدعوها لترميم علاقاتها مع الحكم المصرى الجديد وبين ما تتبناه مراكز الأبحاث والتفكير ومواقع التأثير فى الرأى العام لديها.

لا يصح أن نرد الأمر كله إلى حديث المؤامرات.

للفشل أسباب أخرى بعضه يعود إلى السياسات التى ننتهجها كأننا أسوأ محام عن أعدل قضية.

حيث تتعرض مصر لإرهاب حقيقى يستهدف وجودها تتعثر بفداحة عن تقديم نموذج ملهم لإرادتها فى (٣٠) يونيو يتبنى دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

والتاريخ الثانى يستهدف إفشال أية رهانات على افتتاح «قناة السويس» الموازية أو بالأحرى أكبر توسعة فى تاريخها.

من غير المستبعد تماما فى أى حساب تكرار مثل هذه التفجيرات قبل الوصول إلى (٦) أغسطس حيث الأضواء باهرة فوق الممر المائى الدولى الأكثر أهمية وسط زعماء دوليون.

الهدف بديهى فى إثارة جو من القلق الأمنى على سلامة الشخصيات الدولية التى جرت دعوتها للمشاركة فى الاحتفالات وإفساد رسالتها للعالم بأن الأوضاع استقرت فى مصر.

فضلا عن هدف بديهى آخر بإثارة جو من القلق فى الأوساط الدولية من قدرة الأمن المصرى على حفظ سلامة الوفود السياحية.

بالأرقام: الدخل السياحى وصل العام الماضى إلى نحو ٨ مليارات دولار، وهو رقم يعتد به.
وبحسب التوقعات الرسمية فإن موسم الصيف قد يشهد طفرة ملحوظة بالقياس على السنوات السابقة.

بصورة ما السياحة المصرية تضررت من عملية استهداف متحف فى ضواحى تونس العاصمة.

ومن المرجح أن تتضرر من استهداف سياح أجانب فى أحد منتجعات مدينة «سوسة».

بمعنى آخر فإن ما يلحق بلدا سياحيا فى الإقليم يضر بباقى المراكز السياحية فيه.

من اللافت رغم ضراوة العمليات الإرهابية فى مصر أنها لم تلقَ ذات مستوى التضامن الدولى الذى حازته تونس.

وهذه أزمة صورة رغم ما دفعه المصريون من أثمان باهظة قبل وبعد ٣٠ يونيو.

بحسب صحفيون ألمان تابعوا زيارة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لبرلين أصرت المستشارة «أنجيلا ميركل» رغم كل الاعتراضات أن تجرى فى توقيتها.

أبلغت «السيسى»: «هناك ما يستدعى اللقاء».

القلق الأمنى صاحب الاستثمار الاقتصادى بنظر «ميركل».

فالهجرة غير الشرعية تؤرق أوروبا بذات قدر خشيتها من الزيادة الملحوظة فى أعداد الأوروبيين، الذين يلتحقون بـ«داعش» فى سوريا.

بأى حساب استراتيجى فإنه لا يمكن تجاهل الموقع المصرى وأهميته الاستثنائية.

الحكومات الأوروبية بلا استنثاء واحد تقريبا تعتقد أنه لا بديل آخر للحكم الحالى فى أى مدى منظور.

غير أن ذلك لا يعنى أنها سوف تتوقف عن مساءلته والضغط عليه بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان..

من ناحية تتسق المساءلة مع التوجه الغالب فى مراكز التفكير وصناعة الرأى العام ومن ناحية أخرى فإنها أداة تطويع لمقتضى مصالحها الاستراتيجية.

اللعبة بذات قواعدها تنتظر الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى زيارته المرتقبة إلى العاصمة البريطانية لندن.

دفء ما فى العلاقات الرسمية وهجوم كاسح من وسائل الإعلام.

لماذا نخسر معركة الصورة على هذا النحو الفادح؟

بوضوح لأننا نخاصم العصر فى لغة الخطاب فلا نؤسس لدولة جديدة ديمقراطية وحديثة.

من العيب أن يقال إن كسب الحرب مع الإرهاب يتطلب العصف بكل قيمة ديمقراطية والاستهزاء بكل قانون طبيعى.

حتى الإجراءات الاستثنائية ينظمها الدستور.

تونس أعلنت الطوارئ، وهذه سلطة تقديرية لرئاستها، ولم تتحدث عن خرق منهجى للدستور فى قانون يحمل اسم «مكافحة الإرهاب».

الحزم الشديد مع الإرهاب لا يعنى إعلان دولة أمنية جديدة.

هذه معادلة صعبة تستدعى بناء رؤى جديدة ملهمة لا ترميم نظام ثار عليه شعبه.

لا يصح فى حرب ضارية قد تمتد لفترة طويلة نسبيا أن يضيق النظام، حيث تشتد ضربات الإرهاب.

من ضرورات كسب الحرب أن نمنع أية احتمالات للدولة الفاشلة، فهذه هى الفرصة التى ينتظرها الإرهابيون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved