من نشجع.. الجزائر وتونس أم السنغال ونيجيريا؟!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 13 يوليه 2019 - 10:15 م بتوقيت القاهرة


السؤال أعلاه خارج مقرر الرياضة إلى حد كبير، وأقرب إلى مقرر الهوية ودوائر الانتماء المختلفة.
غالبية المعلقين الرياضيين فى المنطقة العربية، يرتكبون كل يوم جرائم مكتملة الأركان، وهم يقومون بالتعليق على المباريات، التى تكون فيها الفرق والمنتخبات العربية طرفا ضد أندية ومنتخبات إفريقية اخرى، وما أكثر هذه اللقاءات.
هؤلاء المعلِّقون يتحدثون أحيانا بكلمات وعبارات ومصطلحات يمكن أن توقعهم تحت طائلة التمييز العرقى والعنصرى.
أعلم تماما أنهم يفعلون ذلك بحسن نية، أو عن جهل مدقع، أو عدم فهم للواقع، ومجاراة للموجة السائدة أو لبعض ذوى الصوت العالى فى وسائل التواصل الاجتماعى.
الأمر باختصار هو وجود خيط رفيع جدا بين الانتماء والعنصرية، بين التشجيع الرياضى الطبيعى وبين التسبب فى إحن ومشاحنات وحروب بين الشعوب العربية الإفريقية.
والدليل على ذلك أن هؤلاء المعلقين لا يتحيزون ضد الفرق الإفريقية فقط، بل فى مرات كثيرة ضد الفرق العربية، حينما تلاعب فرقا فى دول عربية أخرى، بل وأحيانا داخل الدولة الواحدة.
مرة أخرى، التشجيع والدعم والانتماء ليس عيبا، بل هو مطلوب جدا وضرورى. لكن السؤال هو: كيف يتم ذلك بصورة صحيحة وحضارية؟!!.
بعض المعلقين المصريين والعرب ــ كما قال لى خبير رياضى مرموق مساء الجمعة الماضى ــ ينسون أن البطولة المقامة فى مصر هذه الأيام اسمها «بطولة الأمم الإفريقية»، وليست «بطولة الأمم العربية».
نقيمها فى مصر، لأننا دولة إفريقية وتشارك فيها منتخبات تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا؛ لأنها دول إفريقية قبل أن تكون دولا عربية.
وبالتالى فحينما نستضيف هذه البطولة، فالمنطقى أن نشعر الضيوف جميعا بأنهم على قدم المساواة، فى كل شىء، فى الأجواء والمناخ والبيئة والتشجيع، وكل أنواع التعامل من أول الترحيب نهاية بالتشجيع والمعاملات فى المواصلات والفنادق والشوارع والمدرجات.
بعد هذا الكلام سيسأل سائل ويقول: وهل تطالبنا ألا نشجع الجزائر وتونس وهم يواجهون نيجيريا والسنغال فى الدور قبل النهائى من بطولة الأمم الإفريقية والتى ستجرى مساء اليوم الأحد؟!.
الإجابة هى لا. فمن حق كل شخص أن يشجع الفريق أو المنتخب الذى يريد. وشخصيا أؤمن بما يسمى بدوائر الانتماء الصغيرة ثم الكبيرة. فأنا أشجع فريق قريتى ضد مركزى، ومركزى ضد محافظتى، ومحافظتى ضد المحافظة الأخرى، والزمالك ضد أى فريق مصرى، وأى فريق مصرى، ضد أى فريق أجنبى، والفريق العربى ضد الأجنبى، وبعدها أختار تشجيع الفريق الذى يقدم كرة جميلة مثل برشلونة، وبالطبع أشجع أى فريق يلعب له محمد صلاح أو أى محترف مصرى كبير.
هذا تشجيع لا يلزم أحدا غيرى، لكن المشكلة مع المعلِّقين أنه قد يحسب بأنه موقف الحكومة أو الدولة أو الشعب بأكمله، وبالتالى ينبغى أن يكون كلامه محسوبا بميزان من ذهب وبلاتين.
يبرر البعض موقفه بالقول إنه يشجع الفريق العربى ضد الإفريقى؛ لأنه عربى مثلنا ومسلم!.
طيب يا سيدى، أولا هى مسابقة ليست عرقية أو دينية بل قارية، ثم إن غالبية السنغاليين أو النيجيريين مسلمون وكثير من الشعوب الإفريقية، فماذا سنفعل فى هذه الحالة؟! وهل نحن نشجع على أساس دينى وعرقى أم على أى أساس؟!!.
الفيصل فى الأمر أنها بطولة إفريقية، ونحن نردد ليل نهار بأننا نفخر بأننا دولة إفريقية، ومصر ترأس هذا العام الاتحاد الإفريقى، فهل بعد كل ذلك يأتى بعض المعلِّقين لينسفوا كل هذا، من دون أن يعرفوا أو يقدروا خطورة فعلتهم، وأنهم قد يتسببون فى ضرر بالغ للأمن القومى المصرى والعربي؟!.
كلمة واحدة سيئة تخرج من فم معلق غير مؤهل قد تدمر علاقتنا بالقارة الإفريقية، التى نبذل جهودا كبيرة فى استعادتها إلى مستواها الطبيعى الذى تدهور بفعل ممارسات سابقة فى مجالات كثيرة. وأعلم خطورة بعض هذه التعليقات من خلال اللقاءات أحيانا مع السفراء الأفارقة، الذين يعتقد بعضهم أن بعض ممارساتنا معهم خصوصا الإعلامية ترقى إلى التعالى والفوقية والنظرة العنصرية.
مرة أخرى: من حق الجماهير أن تشجع ما تشاء من الفرق، لكن واجب المعلقين أن يفكروا ويتريثوا مليون مرة قبل أن يتفوهوا بكلمة قد تجر علينا مشاكل كبيرة بلا أى داع.. وختامـًا: كل التوفيق للفرق الأربعة الجزائر وتونس والسنغال ونيجيريا، التى قدمت مستويات كروية رائعة خلال البطولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved