تويا نامت طويلا

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 13 يوليه 2019 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

هل كانت جدة الملك توت عنخ آمون لأبيه شقراء؟ السؤال طرحته بعض وسائل الإعلام الغربية مؤخرا حول مومياء تويا التي تنتمي لنبلاء الأسرة الثامنة عشر، وهي والدة الملكة تي، الزوجة الملكية لأمنحتب الثالث التي أنجبت له أمنحتب الرابع الملقب بإخناتون، وبالتالي هي جدة الفرعون الصغير توت عنخ آمون الذي تعرض آثاره بنجاح ساحق في باريس حاليا وحتى منتصف سبتمبر القادم بقاعة لافيليت الكبرى. أم تويا كانت وصيفة في القصر الملكي ومشرفة على ملابس البلاط وأبوها كان كاهنا، أما هي فقد حملت عدة ألقاب منها "مغنية آمون" و"الأم الملكية لزوج الملكة العظيمة". وكانت هي وزوجها يويا من القلائل الذين حظوا بشرف الدفن في وادي الملوك، رغم أنهم ليسوا من الحكام.
***
دخلت مجموعتهما الأثرية دائرة الاهتمام في الفترة الأخيرة، خاصة منذ نوفمبر من العام الماضي، لأنهما صارا من نجوم المتحف المصري بالتحرير، بعد أن تم نقل كنوز توت عنخ آمون إلى المتحف الكبير بالجيزة، وبالتالي اتسع لهما المكان. دفنا سويا بعد أن تجاوز عمرهما الستين، وغالبا وافت المنية الزوج قبل رفيقة دربه بسنوات. وجد مقبرتهما التي تقع جنوب شرقي وادي الملوك عالم المصريات البريطاني، جيمس إدوارد كيبل، في فبراير 1905، وكانت تعرضت بالفعل لثلاث محاولات سرقة. وقد كتب كيبل وصفا دقيقا لإحساسه عند دخول المقبرة، قال فيه: " تخيل أنك تدخل بيتا كان قد أغلق منذ الصيف الماضي، تخيل جو الغرفة الخانق. كل شيء ثابت في مكانه، وقطع الأثاث صامتة، لا حراك فيها. ينتابك شعور أنك أزعجت الأشباح التي تجلس على الكراسي الخاوية، وتجتاحك رغبة في أن تفتح النوافذ لكي تدخل الحياة. كان ذلك هو إحساسنا بالفعل، كنا مشدوهين ونحن نتطلع إلى ما تبقى من حياة سبقت في هذا المكان قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام". أول ما لفت انتباهه كانت ثلاثة كراسي كبيرة، ثم صناديق فاخرة الصنع. رقدت جثتي تويا ويويا على الأرض، بعدما أخرجهما اللصوص من توابيتهما لكي ينتزعوا المجوهرات الثمينة.
بدا الزوجان وكأنهما نائمين في سلام منذ زمن بعيد، أجسادهما في حالة جيدة، وعلى استعداد أن تدب فيها الحياة بين لحظة وأخرى. وقد أحاطت بهما مجموعة الأثاث الجنائزي والجعارين والأختام والتماثيل والأختام وأدوات الموسيقى،... وهنا نرجع لسؤال البداية: هل كانت تويا شقراء؟ يرجح المتخصصون أن تكون الإجابة بالنفي، وبالأحرى جاء لون الشعر المائل للصفار بسبب نوع من الأصباغ الطبيعية التي تلت الموت، مثلما نجد شعر الملك رمسيس الثاني مائل للاحمرار، في حين من المعروف أنه توفي عن عمر يناهز التسعين. ولا يستبعد نهائيا أن يكون بين المصريين القدماء بعض أصحاب الشعور الشقراء، بحكم الهجرات والموقع الجغرافي وعلاقات النسب مع دول الجوار، لكنها على الأرجح كانت حالات قليلة، لا يعول عليها، خاصة بدراسة شجرة عائلة توت عنخ آمون.
***
المثير في الأمر هو الشغف الذي يحيط بالمومياوات بعد آلاف السنين، الجثث المتجولة الملفوفة في أتواب من الكتان وما يحيط بها من أسرار كاللعنة التي تطارد من يعبث بسلامها وسلامتها لا تزال مبهرة، فالحضارة الفرعونية وحضارة المايا التي امتدت في جزء كبير من منطقة وسط أمريكا، هما الوحيدتان اللتان تجعلانا نرى الأموات. نفكر من كانت تويا التي مرت هنا قبلي، وربما سكنت هذا البيت قبلي؟ هل كانت فعلا شقراء؟ كيف كانت تتحدث مع يويا، زوجها؟ وكيف كانت تفكر في الموت والحياة فيما بعد وفي الخلود؟ ما الذي كانت تقوله حينما تغني لآمون وهل كانت عازفة ماهرة أيضا؟ نريد أن نرجع بالنظر لمومياء زوجها، لنعرف هل كان متوسط القامة مثل رمسيس الثاني الذي لم يتعد طوله 175 سم؟
أرادوا أن يصلوا بالروح إلى السماء من خلال مصاطب الأهرامات، ثم ناموا في هدوء في انتظار ما هو آت، واثقين في دقة عملية التحنيط التي استغرقت أربعين يوما. منذ القرن التاسع عشر وبداية اكتشاف المومياوات ونحن نقرأ عن اللعنات التي تنهال على مكتشفيها وسارقيها: ممول عملية التنقيب عن مقبرة توت عنخ آمون، لورد كارنافون، مات مصابا بتلوث في الدم من جراء لدغة بعوضة، بعد خمسة أشهر من الكشف الأثري، أما عصفور الكناري الخاص بهوارد كارتر نفسه فقد التهمته كوبرا أثناء الحفر. الأمثلة كثيرة، لكن لا نعرف لماذا لا تدافع التماثيل عن نفسها، حين تسرق وتباع في المزاد ولا نستطيع نحن الدفاع عنها؟ أحيانا على ما يبدو يبطل السحر أو ربما يظهر أثره بعد حين أو ربما تعاقبنا نحن وتهرب من حاضرنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved