فتحى يكن.. والتساقط على طريق الدعوة (2)

حسام تمام
حسام تمام

آخر تحديث: السبت 13 أغسطس 2011 - 3:43 م بتوقيت القاهرة

 فى السبعينيات من القرن الفائت وفى فورة الصحوة الإسلامية كان الأستاذ فتحى يكن رحمه الله ينشر فى مجلة الدعوة لسان حال الإخوان المسلمين فى مصر سلسلة متصلة من المقالات تحمل عنوان (ماذا يعنى انتمائى للإسلام؟) طبعت بعد ذلك مرات عديدة فى كتاب يحمل العنوان نفسه، وكان له أثر سلبى على الحركة ما زالت تحتاج إلى عقود أخرى حتى تمحوه وتتعافى منه، فقد كان هذا الكتاب تحديدا من أسوأ ما أنتجته أدبيات الحركة الإسلامية فى نزعتها للتوحد مع الإسلام وعدم التمييز بين الإسلام كدين وبين رؤيتها الخاصة واجتهادها البشرى فى فهمه، ومن ثم كان مسئولا عن موقف التشدد حد التكفير غير الصريح لكل من يختلف معها، فوفق ما كتبه الأستاذ يكن لم يكن هناك فارق بين «ماذا يعنى انتمائى للإسلام؟» و«ماذا يعنى انتمائى للإخوان»؟

كان الأستاذ فتحى يكن قاسيا فى موقفه ليس من خصوم الحركة فقط بل من المختلفين معها أو حتى داخلها، وأزعم أنه كان مسئولا بكتاباته عن ضيق صدر الحركة الإسلامية تجاه الاختلاف والتعددية عموما، وكانت كتاباته (خاصة كتابه: المتساقطون على طريق الدعوة) تمتلئ قسوة وعنفا فكريا مع كل من يختلف مع الحركة، وتنضح سخرية وشماتة ممن انتهت علاقتهم بالحركة حتى ولو بسبب خلافات مشروعة أو اختلافات فى وجهات النظر، لم يكن الأستاذ فتحى يؤمن بالاختلاف فى الحركة أو حولها، كانت الحركة عنده شعب الله المختار، وكان يصف كل من يختلف معها بـ«المتساقطين»!

ورغم أنه عمّر طويلا فى قيادة الحركة فى لبنان ــ الجماعة الإسلامية ــ فإنه لم يمكث حتى غادرها إثر خلافات تنظيمية، ليس لدى معطيات كاملة عن تفصيلات الخلاف داخل الجماعة الإسلامية والتى انتهت به خارجها، وإن كان المؤكد لدى أن الأمر يتعلق بموقفه من الشورى، التى يراها غير ملزمة ومن ثم فلا يلتزم بها خاصة وأنه ربما كان يرى نفسه أكبر من الشورى أو أن الجماعة تتجلى فيه.

ولا أريد أن أتوقف عند أمور تنظيمية ربما صارت من أسرار الجماعة وأسرار الأستاذ يكن نفسه، ليس هذا المشكل الآن، وإنما المشكل فى أن الأستاذ فتحى يكن حين غادر الحركة الإسلامية لم يغادر منهجه فى التعامل مع الخصوم والمختلفين، والذى يقوم على تجريدهم من أى أساس للشرعية.

فمنذ أن غادر الأستاذ فتحى يكن موقع المسئولية فى الجماعة عام 1993 حتى وفاته فى 2009، وهو يتبنى مواقف سياسية لا تتموقع إلا فى الخط السياسى المضاد لجماعته حتى، ولو كان فى موقفها الصواب، الذى يرتجى للحركة الإسلامية ولأهل السنة والجماعة ولعموم لبنان.

لن أقف أمام مواقفه السياسية، التى يناوئ فيها جماعته من مثل ترشحه أو دعمه لمرشحين ينافسونها فى الانتخابات البرلمانية مثلما فعل حين قرّرت الجماعة مطلع عام 2005 مقاطعة الانتخابات، فأعلن حرمة ذلك شرعا، ودعم ترشيح أحد أقربائه بطرابلس.. فهذا مما قد يفسر أو يؤول. ولكن ما يستحق التوقف عنده هو موقفه الذى انحاز فيه صراحة ورمى بتاريخه الحركى والدعوى وراء مجموعة 8 آذار أو التحالف الشيعى الموالى لسوريا وإيران.

كان اغتيال الرئيس رفيق الحريرى أكبر ضربة نالها السنة فى لبنان، وكان من آثارها العكسية انسحاب سوريا اضطرارا من لبنان بعدما اشتد رفض الشارع اللبنانى لها، لقد صار التحالف السورى الإيرانى لأول مرة معزولا تماما عن المحيط السنى اللبنانى.

قبل الأستاذ فتحى يكن أن يكون محللا سنيا للتحالف الإيرانى السورى (مع أن العلاقة صارت استلحاقا إيرانيا للنظام السورى وليست تحالفا معه)، ويسمح باستعماله كرمز إسلامى سنى بفضل سابقته فى تأسيس الجماعة الإسلامية، من أجل تسويق هذا التحالف وتعويم مواقفه فى الشارع الإسلامى السنى.. وفعل ذلك متعمدا أن يغطى على خلافاته مع جماعته أبرز تنظيمات الحركة الإسلامية السنية فى لبنان.

أتى يكن من مقره فى طرابلس إلى ساحة الشهداء فى بيروت لإمامة الصلاة المشتركة بين الشيعة والسنة معمّيا على حقيقة الموقف من أن هناك انقساما وفرزا طائفيا حقيقيا تعيشه لبنان أن هناك تحالفا من المعارضة الشيعية مع إيران وسوريا يروم ليس مجرد إيقاف المحاكمة الدولية لقتلة الحريرى فحسب بل تحويل لبنان إلى فناء خلفى لهذا التحالف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved