رداء الدين خير «ستار» للعيوب

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 13 أغسطس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تمر تونس بأزمة سياسية حادة ترتبت عنها انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة أبرزها إقامة الأسلاك الفاصلة بين التونسيين فى ساحة باردو، علامة دالة على انقسام بات واضحا للعيان، وانطلاق مرحلة بناء الجدران العازلة بين فئات من المجتمع: الأغنياء/الفقراء، الكبار/الصغار، الرجال /النساء، الإسلاميون/العلمانيون، المسلمون/الكفار.. ولكن كيف حاول الفاعلون السياسيون إدارة هذه الأزمة؟

تحولت ساحة باردو إلى ركح يعتليه كل من رام اختبار مهاراته: الدعوية ــ الخطابية... الكل يتنافس من أجل تبكيت الخصوم، والتأثير فى الجموع، وتفنيد المزاعم، وتجييش الجماهير.. وفى تكريس ثقافة التباغض والكراهية.. فليتنافس الخصوم.

●●●

راهن «أهل اليمين» على تعاطف الأتباع معهم، ومؤازرتهم لحكومة «مظلومةس شكك الخصوم فى شرعيتها التى اكتسبتها عن طريق الصندوق، فى محاولة لاسترجاع سردية الضحية التى يتربص بها «أصحاب الثورة المضادة» و«الانقلابيون»، و«الأزلام» و«أعداء الثورة».. وحين تغيب الإنجازات ولا يلتزم الحكام بالوعود والمواثيق، وتتعدد الأخطاء، ويعسر على المتكبرين الاعتراف بغياب الرؤية والتصور وباضطراب السياسات والمعايير.. حينها يكون الاستناد على المرجعية الدينية خير منقذ، فرداء الدين خير «ستار للعيوب».

ولا غرابة والحال هذه، أن يشبه الغنوشى اعتصام أتباعه فى باردو بفتح مكة، وأن يرى تطابقا بين حال المهاجرين والمدافعين عن الشرعية، وأن يبارك صمود «فتية الإسلام» ودفاعهم عن الثورة... وأن يبرر ما يجرى وفق «نظرية» التدافع السياسى الاجتماعى، وأن يحلله من منظور الفكر الجهادى. فما يحدث اليوم فى تونس ومصر هو «مجاهدات سياسية واجتماعية ودينية» تروم الوقوف بوجه من «سرقوا الثورة» ولذلك ينتصب «المرابطون» فى الساحات للقضاء على الانقلابيين. ولم يفت الغنوشى التوجه إلى أتباعه وإلى الأمة وإلى الثوار فى مصر وسوريا وغزة وغيرها بكلمة يوم العيد يحثهم فيها على المجاهدة والتضحية بالنفس والمال «فى سبيل الله».

●●●

ويلوح أننا دخلنا مرحلة التباس المفاهيم وإحداث تشويش متعمد على الجهاز الاصطلاحى بهدف إرباكه. فالثورة تغدو ثورة الصامدين فى ميدان رابعة، وفى اعتصام الشرعية فى باردو، ثورة من أجل إقامة الخلافة من المحيط إلى الخليج. أما الثوار فهم الفئة المظلومة التى اغتصب حقها الشرعية ولذلك فإنها مطالبة بالدفاع عن الثوب الذى ألبسها إياه الله، وتصبح مسئولية السياسيين لا أمام الشعب بل أمام الله.

ولأن هؤلاء يستظلون بالشرعية وبالمرجعية الدينية، ويؤمنون بحكم مكنهم الله منه فإنهم يتصورون أنفسهم الناطقين نيابة عن الله، والمدافعين عن الإسلام. وهكذا تنتقل الخصومة السياسية من مجالها السياسى الرئيس إلى مجال الدينى الذى تحكمه مقتضيات مختلفة ومعايير مغايرة. ويتحول الصراع بين الخصوم السياسيين إلى صراع بين مؤمنين، يجاهدون فى رمضان، وكفار يجاهرون بالإفطار، ويؤدون صلاة العيد مختلطين رجالا ونساء.. وتتحول العلاقة بين الخالق والمخلوق إلى «تدين قشورى»: طقوس تؤدى أمام العباد لنيل صكوك الغفران ويتم الفرز بين «إسلام شعاراتى» و«إسلام مدنى» وتتأسس تبعا لذلك التراتبية بين التونسيين حسب معيار الموالاة.

●●●

ولئن كان هذا السلوك الدعوى متوقعا من قبل الإسلامويين فإن المستغرب هو توظيف أهل اليسار للدين من أجل تشكيل صورة مغايرة، والقطع مع النسق التنميطى الذى يقرن العلمانيين بالكفر. فلأول مرة يتم الاستنجاد برجال الدين الزيتونيين، والمناهضين لحركة النهضة لينهضوا بالدعوات والصلوات، ويوشى الخطاب السياسى بعبارات تنتمى إلى المعجم الدينى.

 فهل أريد للمسار الانتقالى أن يعيش على وقع الصراع الأيديولوجى بعد أن أفلست كل المحاولات للارتقاء بالفعل السياسى إلى المستوى المنشود؟ وهل سيستمر استغلال الدين والرموز الدينية وعواطف الناس فى ظل الفراغ الفكرى.. فى سباق محموم من أجل التموقع ونيل السلطة؟.

 

أستاذة بالجامعة التونسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved