بيان يحتاج إلى بيان

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 13 أغسطس 2015 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

بيان النيابة العامة الصادر أمس الأول بإحالة المتهمين فى القضية المعروفة باسم «أحداث فض اعتصام رابعة» يحتاج إلى بيان لأنه وضعنا أمام سابقة لم يشهدها القضاء فى مصر وربما العالم عندما صدر أعلن إحالة القضية إلى محكمة الجنايات دون أن يحدد عدد المتهمين المحالين ولا اسماءهم ولا جريمة كل متهم فيهم فنصبح أمام قضية لا يعرف فيها المتهم أنه متهم ولا يعرف فيها الدفاع عمن سيدافع ولا ضد أى تهمة سيدافع عنه.

ولما كان الدستور المصرى يقول فى مادته الرابعة «السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات» فإن حق الشعب فى فهم وتقويم أداء سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية لا يمثل انتقاصا من قدر ولا مكانة هذه السلطات.

إن قرارات الإحالة إلى المحاكمة بمثابة «حكم قضائى» تصدره النيابة باعتبارها سلطة التحقيق. والدستور يقول فى مادته رقم 187 إن «جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية». فهل خالفت النيابة العامة الدستور عندما أصدرت أمر الإحالة على هذا «النحو السري»؟ الأمر يحتاج إلى إجابة شافية من النيابة باعتبارها مسئولة أمام «الشعب صاحب السيادة الوحيد» فى هذه البلاد بنص الدستور.

ولا يكفى أن يقول لنا النائب العام المساعد المستشار زكريا عبدالعزيز عثمان، بحسب الزميل أحمد سعد فى صحيفة الشروق إن «بيان الإحالة الذى لم يتضمن أعداد المتهمين المحالين جاء مقصودا ومتفقا عليه» ولا يكفى أن يقول المستشار هشام سمير، رئيس المكتب الفنى للنيابة العامة، «إن إصدار البيان بهذه الصيغة دون ذكر إعداد جاء بعد نقاش القائم بأعمال النائب العام المستشار على عمران، ورئيس نيابات استئناف القاهرة، والمكتب الفنى للنيابة العامة».

الأصل فى أعمال وقرارات القضاء هى العلانية بنص الدستور. والسرية فيها هى «أبغض الحلال»، هذا إذا كان للسرية فى أعمال القضاء أن تكون حلالا. فالعلانية والشفافية لا تضمن فقط حق الشعب فى المعرفة، والرقابة، لكنها وهذا هو الأهم تضمن تعزيز الثقة فى السلطة القضائية التى لا يمكن أن تنهض بمهمتها فى المجتمع إذا لم تكن موضع ثقة شعبية لا تتزعزع.

نزاهة واستقلال القضاء المصرى ليست محل جدل ولا نقاش ولن تكون، لكن بعض القرارات الأخيرة سواء ما يتعلق بحظر النشر فى القضايا الجنائية التى يكون من بين المتهمين فيها أشخاص ينتمون إلى مؤسسات معينة فى الدولة، أو التوسع فى الحبس الاحتياطى لمتهمين فى جرائم ذات صبغة سياسية، تفتح الباب أمام ذوى النفوس الضعيفة للتشكيك فى بعض أعمال القضاء المصرى.

ضمان الثقة فى القضاء ليس مصلحة للقضاة وإنما مصلحة مطلقة للمجتمع، وبالتالى فالحرص على تعزيز هذه الثقة ودفع كل ما يمكن أن يفتح الباب أمام اهتزازها هو واجب على الجميع وليس فقط على أعضاء السلطة القضائية.

وإذا كانت «الحرب أخطر من أن نتركها للعسكريين»، فإن الحفاظ على الثقة فى القضاء مهمة «أهم وأكبر من أن نتركها للقضاة فقط» لأنها قضية وجود بالنسبة للمجتمع الذى لا بقاء له بدون سلطة قضائية فوق أى تشكيك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved