محاولة لاستذكار الصفحات المشرقة: حتى لا تهيمن إسرائيل وواشنطن على مستقبلنا!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 13 أغسطس 2019 - 9:35 م بتوقيت القاهرة


كتبوا فقرأنا عن «عصور الانحطاط» التى تردت فيها أسباب الحياة، وعم الجهل والفقر واندثرت اللغة وآدابها، شعرا ونثرا، ولولا القرآن الكريم وموقعه فى صلب الإيمان لسادت الأمية وغلبت الهجانة واغترب الناس عن تاريخهم وعن أنفسهم حتى كاد العرب أن يندثروا.
أما فى السياسة فقد تبخرت «الدولة العربية»، كخلافة أو كدويلات خارجة منها وعليها، واقتطع كل أمير أو شيخ قبيلة، وبالتواطؤ مع حاميه الأجنبى مساحة من الأرض لتكون «إمارته» القائمة على العداء مع «الشيوخ الآخرين» فى إماراتهم المحمية، هى الأخرى.
صارت الأرض العربية، لا سيما فى المشرق، مشاعا مفتوحا أمام قوى الاستعمار، لا سيما بعد سقوط السلطنة العثمانية، ثم سقوط تركيا فى الحرب العالمية الأولى مع المانيا.. وهكذا تقاسمت بريطانيا وفرنسا أقطار المشرق (فرنسا أخذت لبنان – المتصرفية ومعه «الأقضية الأربعة»، الجنوب والبقاع والشمال وبيروت التى كانت ولايات فى السلطنة) كما قسمت سوريا إلى أربع دويلات، لكن الشعور الوطنى السورى أسقط هذا التقسيم.. فى حين اقتطعت بريطانيا شرق الأردن وأقامت فيه إمارة للأمير عبدالله ابن الشريف حسين – مطلق الرصاصة الأولى فى «الثورة العربية الكبرى» التى كلفته عرشه فى الحجاز، بعدما تخلى عنه البريطانيون..
وكان ذلك التمهيد الأوضح لإقامة الكيان الإسرائيلى، خصوصا وأن فلسطين وضعت تحت الوصاية البريطانية.
كذلك فقد أقامت بريطانيا مملكة هاشمية فى العراق ونصبت عليها ملكا هاشميا هو فيصل الأول، النجل الثانى للشريف حسين..
صار المشرق العربى «دولا» بلا مقومات، لا موارد جدية، والطبقات السياسية التى استولدت قيصريا قد تربت فى ظل الاستعمار، ولا تملك ــ غالبا ــ المؤهلات والإرادة لبناء الدول من الصفر، فى مناخات تهيمن عليها الطائفية والعنصرية ومصالح الدول المهيمنة.
تفجرت الثورة الأولى على الاستعمار الفرنسى فى سوريا عند أبواب دمشق فى ميسلون حيث واجهت قوة محدودة بقيادة بطل ميسلون يوسف العظمة القوات الفرنسية الأعظم عددا وعدة.. فى 1920، ثم كانت الثورة السورية 1925، بقيادة سلطان الأطرش وقد قصف الطيران الحربى الفرنسى، خلالها، مجلس النواب فى دمشق لتتفجر سوريا جميعا بالثورة، بينما كان شعبها يتقدم واثقا نحو «المدنية» والتخلص من آثار التتريك مع مقاومة باسلة للفرنسة.
لن يطرأ تغيير جدى على الخريطة السياسية للمشرق العربى إلا عبر محاولات الحركة الصهيونية الاستيلاء على فلسطين العربية تاريخا وأهلا، وهو مشروع سوف تسانده بريطانيا قبل أن تنشب الحرب الإسرائيلية الأولى لاحتلال معظم فلسطين، والتى هزم فيها العرب الذين قاتلوا ــ رمزيا ــ لقلة العدد والعتاد (حوصرت كتائب من الجيش المصرى فى الفلوجة واستشهد القائد البطل أحمد عبدالعزيز، وكان جمال عبدالناصر بين ضباط القوة المحاصرة).. كذلك هزمت الكتائب من الجيش السورى وجماعات المتطوعين الذين قاتلوا من دون خبرة كافية وبذخيرة وبنادق فاسدة، فى حالات كثيرة
اقيمت «دولة إسرائيل» بالقوة، إذن، على أرض فلسطين، وسط جو من التأييد الدولى الواسع لقيامها تمثل فى أن أكبر دولتين فى العالم، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتى كانتا أول من اعترف بها.
وهكذا يكون «العرب» قد تلقوا هزيمتين معا عسكرية وسياسية.
***
قامت أو أقيمت دول عربية عديدة فى المشرق العربى، إذن، وزرعت فى القلب منها دولة العدو الصهيونى إسرائيل.. فى حين كانت المملكة العربية السعودية فى شغل شاغل ببناء دولتها... فى حين كانت تقوم فى الخليج مجموعات من المشيخات التى ستحولها ثروات النفط والغاز إلى دول محدودة السكان عظيمة الثروة: الكويت (فى أوائل الستينيات، ثم دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة قطر ــ فى أوائل السبعينيات)، وزرعت قاعدة عسكرية أمريكية فى قطر، أما الإمارات فحصنتها «الدول» بضمانات مؤكدة حماية لثروتها من النفط (مع مراعاة لخاطر إيران التى تواجهها عند الشاطئ الآخر.
***
مع ثورة 23 يوليه 1952 فى مصر بقيادة جمال عبدالناصر ومعه «الضباط الأحرار» سيسود مناخ جديد فى المنطقة العربية وستتعزز صفوف المنادين بالتخلص من الاستعمار الغربى (البريطانى والفرنسى)..
ومع العدوان الثلاثى على مصر فى خريف 1956 ستتجلى إرادة الأمة العربية فى التضامن وصولا إلى تحقيق الحلم بالوحدة العربية، وهكذا قامت الجمهورية العربية المتحدة من خلال اندماج مصر وسوريا فى دولة واحدة.
كان الحدث تاريخيا، وقد أحيا فى الأمة ثقتها بنفسها وشعورها بالقدرة على الانجاز، بمقدار ما استنفر القوى المعادية إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والغرب عموما، ودول القرون الوسطى فى أنحاء المنطقة.. وكانت الجزائر تقاتل الفرنسة محاولة استعادة هويتها العربية واستقلالها، والمغرب مع ملكه بعيد، وليبيا مملكة تتقاسمها ثلاث دول استعمارية: إيطاليا وبريطانيا وفرنسا، وتونس تحت قيادة بورقيبة الذى لم يتحمس لفكرة العروبة وظل «غربى الهوى والسياسة».
وكان بين ردود الفعل الأولى على قيام دولة الوحدة تعاظم الثورة الجزائرية، ثم تفجر العراق بثورة 14 يوليو 1958، التى اتخذها الأمريكيون ذريعة لإنزال بعض قطع اسطولهم عند شاطئ بيروت، حيث كان قد أسقط حكم كميل شمعون وجاء إلى الرئاسة اللواء قائد الجيش فؤاد شهاب.
***
تلك صفحات مضيئة من تاريخ العرب المعاصر لا يجوز أن تطوى فتنسى أو تحقر بالقول إنها كانت محاولات لتحقيق الأحلام السنية فأخفقت وسقطت قبل أن تكمل الإنجاز..
يكفى أنها أكدت إمكان تحقق تلك الأحلام، إذا ما زاد الوعى وثبت الإيمان بحق هذه الأمة، بشعوبها كافة، فى مستقبل أفضل.
وإذا ما استعدنا تجارب الشعوب الأخرى التى حققت أهدافها فى أزمات مختلفة وضمن ظروف دولية مختلفة، وبالاعتماد على إرادة الناس، لثبت لنا إمكان تحقيق أهداف أمتنا، برغم المصاعب.. وإلا لتبعثرنا أيدى سبأ، ولقاتل العرب العرب (كما يحدث فى اليمن أو فى ليبيا) أو قاتلهم العدو الإسرائيلى (كما حدث فى لبنان على امتداد التسعينيات وحتى الحرب الإسرائيلية فى مثل هذه الأيام من العام 2006) أو قاتلتهم إسرائيل وتركيا ومعها قوات أمريكية – وفرنسية – كما يحدث فى سوريا هذه الأيام.

أن المخاطر تتهدد الأمة فى مصيرها، وتتهدد دولها فى استقرارها،
فلنأمل أن ينتبه العرب إلى مخاطر حاضرهم ومستقبلهم المهدد، فيستعيدون وعيهم ويحمون حاضرهم ومستقبل أجيالهم الآتية.
رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved