الخاطبة

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 13 أغسطس 2021 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

نشر الكاتب يحيى حقى قصته القصيرة الخاطبة فى إحدى المجموعات القصصية عام 1945، وهى القصة التى تحولت إلى فيلم سينمائى بعد ذلك باثنين وعشرين عاما ضمن ثلاث قصص مأخوذة عن «دنيا الله» لنجيب محفوظ وعن قصة قصيرة ليوسف إدريس، أى أنه فى تلك السنوات حاولت السينما الجديدة إتاحة الفرصة لمخرجين شبان عملوا فيما بعد فى التليفزيون لعمل أفلامهم الروائية القصيرة الأولى، ومنهم إبراهيم الصحن ومحمد نبيه وآخرون.. وتدور قصة الخاطبة حول موظف بسيط يسعى إلى الزواج من فتاة تناسبه، فليجأ إلى الخاطبة التى جسدتها سميحة أيوب أم الموظف عبدالمنعم إبراهيم، فهو مواطن عادى فى زمن ما قبل الأزمات الاقتصادية الكبرى، بمعنى أن المسكن متوافر وإعداد بيت الزوجية غير مرهق للشاب مثل القصة التى كتبها المؤلف فى منتصف الأربعينيات وربما قبل ذلك.

لكن يبدو أن المشكلة هنا فى حسن الاختيار، السن المناسبة، القوام المطلوب، الجمال والقبول، ولا شك أن الحياة فى الفيلم كانت أكثر عصرية من تلك التى قرأنها فى القصة القصيرة، فهناك مدرسة ذات أفكار متحررة تطلب من العريس عدم الزواج بطريقة التعارف عن طريق الخاطبة، ويبحث الموظف مع الخاطبة فى أماكن متعددة إما بمشاهدة الصور أو الزيارات المنزلية إلى أن يكتشف أن الخاطبة هى أنسب عروس من بين الفتيات اللائى يقمن عمل الخاطبة.
فى الواقع الذى عشناه فإن الخاطبة فى الغالب كانت امرأة عجوز أرملة لا يمكن أن تجذب أنظار الشاب الباحث عن عروس تناسبه، ولكن هناك خطوط تماس بين النص الأدبى فى كتاب ليالى بيكاتشو الإيطالى، المعروف لدى الجميع باسم ألف ليلة وليلة الإيطالية، وأيضا مسرحية الخاطبة التى كتبها الأمريكى سورنتون وايدر، وهى أعمال كلها ترجمة إلى اللغة العربية فى العقود القرن العشرين، وتحولت هذه الأعمال إلى أفلام سينمائية عالمية، ففى عام 1966 وقبل إنتاج فيلم ثلاث قصص قدم الإيطاليون فيلما باسم «العرائس»، وفيه قصة قامت ببطولتها ألك، أما الممثل الكوميدى ريناردوا بيزانكا الرجل البسيط العادى الذى يبحث عن عروس وتكون الخاطبة هنا هى أنثى فارهة الجمال شقراء الشعر خفيفة الظل أقرب إلى نيللى بالنسبة لنا تذهب به دوما لمقابلة العروس المنشودة، فإذا بكل هذه الفتيات أقل سحرا وجمالا من الخاطبة التى تريد العشق وتقع فى غرام الموظف الشاب الدميم وتتزوج به، هو عمل كوميدى خفيف يتناسب مع أجواء السينما الإيطالية فى تلك المرحلة وأيضا ليالى بيكاتشو.
أما بالنسبة لمسرحية الخاطبة المنشورة فى الثلاثينيات قبل قصة يحيى حقى فإنها تحولت 1971 إلى فيلم استعراضى ضخم للغاية بطولة برابرا استياصن ووالتر ماتيو، وإخراج جين كيلى، فيلم استعراضى غنائى حصل على العديد من الجوائز الأوسكار ويملؤ الحياة بهجة، هذه هى النقط التى جمعت كل الأعمال المأخوذة عن الخاطبة خفة الظل ففى النص المصرى فإن عبدالمنعم إبراهيم هو أحد مشاهير الوقار فى الإضحاك بينما سميحة أيوب امرأة ذات رشاقة تجعلها مقبولة من الموظف الذى يغازلها ويطلب يدها.
إذن فلكل كاتب من كتابنا الكبار عمل فنى كتبه وهو يضع عينيه على نص أدبى عالمى مسرحى أو نثرى وقد فعل يحيى حقى ذلك مع الخاطبة باعتبار أن مثل هذه المرأة موجودة فى كل أنحاء الثقافات واللغات، وأكسب نصه الأدبى برشاقة التعبير المعروف عن الكاتب، حيث ما نكتبه عن هذه الظاهرة ليس محاولة لتقليل قيمة بعض أدبائنا ولكن التعرف على كيف استجاب الكثيرون منهم من ثقافتهم العالمية، وسوف نرى ذلك فى المرات القادمة مع نصوص كتبها يوسف السباعى ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وتحولت إلى أفلام شهيرة للغاية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved