لحظة الحقيقة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 13 سبتمبر 2019 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

يبدو أن لحظة الحقيقة فى ملف سد النهضة الإثيوبى، قد اقتربت بشكل كبير، بعدما بلغ «الصبر المصرى» منتهاه، ولم يعد واضحا وجود ضوء حقيقى فى نهاية نفق المفاوضات الشاقة والمستمرة منذ سنوات مع الجانب الإثيوبى، بشأن التوصل إلى تفاهمات واضحة وحقيقية على قواعد ملء وتشغيل السد الذى يحمل العطش لمصر.

فقبل أيام قليلة من انطلاق جولة المفاوضات الجديدة بين مصر والسودان وإثيوبيا، والمقررة يومى الخامس عشر والسادس عشر من الشهر الحالى، اجتمع السفير حمدى سند لوزا، نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية، مع سفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى القاهرة لإطلاعهم على آخر مستجدات المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبى، وأعرب نائب وزير الخارجية عن «عدم ارتياح مصر لطول أمد المفاوضات»، موضحا أن «مصر قدمت للجانب الإثيوبى طرحا عادلا لقواعد ملء وتشغيل السد يحقق أهداف إثيوبيا فى توليد الكهرباء من سد النهضة ويحفظ فى نفس الوقت مصالح مصر المائية».

نائب وزير الخارجية أكد أهمية سير المفاوضات بحسن نية فى مناقشة جميع المقترحات، بما فيها الطرح المصرى، وأن رفض ذلك يعنى الإصرار على فرض رؤية أحادية دون الاكتراث بمصالح الآخرين أو الاهتمام بتجنب الأضرار التى ستقع على دولتى المصب، وبالأخص مصر التى تعتمد على نهر النيل كشريان للحياة للشعب المصرى.
المقترح الرسمى الذى يتحدث عنه نائب وزير الخارجية، يتضمن طلب مصر لإثيوبيا بملء سد النهضة على مدى 7 سنوات، وفقا لتأكيد وزير المياه والرى والطاقة الإثيوبى سيلشى بكلى فى تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية فى الثالث من أغسطس الماضى.

هذا المقترح لم يكن الأول فى سلسلة المقترحات، التى قدمتها مصر خلال السنوات الأخيرة من أجل تحريك ملف المفاوضات، ولعل أبرزها اقتراح مشاركة البنك الدولى كطرف فنى فى اللجنة الوطنية الثلاثية لتسهيل المناقشات والتوصل إلى حل للنقاط الخلافية واتخاذ قرار بشأنها، وذلك بما للبنك الدولى من خبرات ومصداقية لدى الدول الثلاث.

رئيس الوزراء الإثيوبى السابق هيلا ميريام ديسالين، وكعادته دائما فى استهلاك الوقت لصالح المضى قدما فى إنشاء السد بالمواصفات التى ستحدث ضررا بالغا بالحقوق المصرية، تهرب من الموافقة على هذا الاقتراح، وقال فى مؤتمر صحفى مع الرئيس السيسى، خلال زيارته للقاهرة فى يناير 2018: «أقدر المقترح المصرى بشأن إشراك طرف ثالث كوسيط فى المفاوضات الفنية، لكن بلادى مهتمة بدراسة تحديد الطرف الثالث وآلية وتوقيت تدخله بالمفاوضات!!»، مشيرا إلى أن «شعب إثيوبيا لم ولن ــ فى أى حال من الأحوال ــ يسعى إلى تعريض حياة أشقائنا المصريين إلى الخطر».

كلام جميل ورائع، لكن إذا حاولنا وضعه على أرض الواقع، حتى يكون له جدوى ومردود إيجابى يزيل القلق لدى المصريين من المخاطر الحقيقية التى ستنتج عن إنشاء سد النهضة، فلن نجد سوى محاولات إثيوبية متواصلة لاستهلاك الوقت، حتى تنتهى من إنجاز بناء السد، الذى من المقرر أن تبدأ توربيناته رسميا فى توليد الطاقة بعد سنة و3 أشهر، فيما سيتم الإعلان عن الانتهاء رسميا من بناء السد فى عام 2023، وفق تصريحات المسئولين الإثيوبيين.

ما يقلق مصر حقا هو أن سعة خزان هذا السد العملاق تصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه؛ حيث يؤكد الخبراء أن ملء هذا الخزان فى عدد قليل من السنوات سيؤدى إلى فقدان مصر لربع مساحتها الزراعية، كما أنه سيؤدى فى حالة «الملء والتشغيل» إلى زيادة الانخفاض فى توليد الكهرباء من السد العالى ليصل إلى 4500 جيجاوات، أى بنقص قدره 37%، مع حدوث عجز كلى فى توليد الطاقة الكهربائية ليصل إلى 41 عاما!.

إذن إعلان نائب وزير الخارجية عن «عدم ارتياح مصر لطول أمد المفاوضات»، هو رسالة شديدة الوضوح بأن القاهرة لم يعد لديها صبر على استنزاف الوقت الذى تتفنن فيه إثيوبيا من أجل عدم التوصل إلى اتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، الذى قد يسفر عن وجود «ملايين العطشى» فى بر مصر، وهو ما لا يمكن القبول به على أنه «أمر واقع»!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved