حينما هللنا لـ«القاعدة» فى سبتمبر!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 13 سبتمبر 2019 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

من بين أكبر الأخطاء فى حياتى ــ وأظن حياة الكثيرين من العرب والمسلمين من جيلى ــ أننى فرحت وهللت للتفجيرات الإرهابية فى نيويورك وواشنطن صباح الحادى عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ أى قبل حوالى ١٨ عاما.
أقر وأعترف بهذا الخطأ الآن، ليس فقط كنوع من مراجعة النفس والنقد الذاتى، ولكن ــ وهذا هو الأهم ــ حتى يفكر الشباب المتحمس قبل الاندفاع خلف بعض الأفكار والتصورات، ثم يتفاجأ بأنها خاطئة كليا.

فى الخامسة والنصف من مساء ١١ سبتمبر ٢٠١١، كنت فى طريقى إلى عملى فى احدى الصحف الخليجية. قبل نزولى من البيت قرأت خبرا عاجلا بوقوع انفجار، وحينما وصلت إلى الجريدة، كانت التفاصيل قد بدأت تتوالى. فى غرفة مكتبى بسكرتارية التحرير المركزية، حيث يوجد جهاز التليفزيون الكبير، امتلأ المكان عن آخره بمجموعة من الصحفيين من معظم الجنسيات العربية، التى تعمل بالجريدة.

حينما كنا نرى مشاهد اقتحام الطائرتين الأولى والثانية لمركز التجارة العالمى، كنا نهلل، وكأننا حررنا القدس!!
أتذكر جيدا أن صحفية مصرية زميلة، اتصلت وقتها بوالدتها لتقول لها نصا وهى ترقص فرحا: «يا ماما: الحمد لله دمرنا البرجين».
هذه الزميلة ــ هى أديبة أيضا ويسارية متحمسة جدا ــ كلما قابلتها، أذكرها ضاحكا بهذه المكالمة فترد بخجل: «هذا أسوأ خطأ فى حياتى»!

حينما فرحت أنا والزميلة اليسارية، وغيرنا ممن ينتمون لمختلف الاتجاهات السياسية، كنا نعتقد واهمين، أن هذا العمل، انتقام عادل من الطغيان الأمريكى المؤيد لإسرائيل على طول الخط ضد العرب.

وكنا نعتقد أن التفجيرات سوف ترغم واشنطن على إعادة النظر فى انحيازها السافر لإسرائيل، ثم تبين أن كل حساباتنا ورهاناتنا خاطئة بنسبة تريليون فى المائة!

موقفى الخاطئ وقتها، لم يكن فرديا، بل يمكن القول إن فرحنا وتهليلنا للتفجيرات كان يعبر عن حالة عامة فى العالم الإسلامى عموما والمنطقة العربية خصوصا.

كنا نعتقد أن أى ضربة لأمريكا، هى ضربة لإسرائيل، ولم نكن نفكر أو نشك ــ ولو لثانية واحدة ــ أننا نحن العرب والمسلمين من سيدفع الثمن الكامل وزيادة لهذه التفجيرات بسبب موازين القوى المختلة بيننا وبينهم.
كل من أعرفهم ــ إلا قليلا ــ وكذلك كل من قابلتهم وقتها بحكم عملى الصحفى، كانوا سعداء بضربة 11 سبتمبر ضد أمريكا، ظنا أنها ستجعلها تبدو أقل غطرسة وغرورا.

ظللنا شهورا كثيرة نهلل للضربات، ونتتبع أى أخبار عن «المنفذين الأبطال التسعة عشر»، وكيف تمكنوا من مفاجأة أكبر قوة عسكرية بالعالم فى عقر دارها ورمز سيادتها وعزتها أى البرجين ووزارة الدفاع. وحينما بدأنا نكتشف بعض ملامح خطورة ما حدث بدأنا نلجأ لنظريات التآمر والشك.

قال البعض إن إسرائيل هى من نفذت العملية حتى تورط العرب والمسلمين. وقال البعض إن الصرب هم من فعلوها انتقاما من الموقف الأمريكى من تقسيم يوغسلافيا.

وقال البعض الآخر ساخرا إن كائنات فضائية هبطت على الأبراج ودمرتها تعاطفا مع كل المقهورين فى العالم أجمع!

سمعنا نظريات واحتمالات وأساطير وخزعبلات كثيرة، ولم نكن نريد أن نصدق أن ١٩ عربيا غالبيتهم من السعودية، هم من فعلوها. وجميعهم ينتمى لتنظيم القاعدة الذى يقوده أسامة بن لادن انطلاقا من أفغانستان.
لم نكن ندرى وقتها أن دعمنا وفرحنا لهذه التفجيرات، هو الرصاصة الأولى لتمكين التطرف وإخراج المارد من قمقمه. وأننا سندفع ثمنا غاليا وفادحا لهذا الخطأ القاتل لاحقا.

بعد التفجيرات اكتشفت أن هناك فارقا كبيرا بين مقاومة المحتل الاسرائيلى، وكل من يدعمه طبقا للقانون الدولى ــ وهو حق كامل للعرب والفلسطينين ــ وبين عمليات ارهابية سقط فيها ابرياء، وقادت إلى تشويه صورتنا وصورة الاسلام فى العالم اجمع.

لم نكن نحن وحدنا من أخطأ، فبعض الحكومات العربية كانت تنام فى الأحضان الأمريكية ليلا، وتتمنى دمارها نهارا. وهكذا جاءت تفجيرات سبتمبر لتكشف عن حالة الخواء والضياع التى تعيشها الأمة العربية حكاما ومحكومين!!

هللنا للقاعدة عام ٢٠٠١، واليوم نشرب من كأسها وكأس داعش، وكل الكئوس المليئة بالعلقم، واستيقظنا على حقيقة مرة ان المستفيد الاكبر من تفجيرات سبتمبر كانت اسرائيل وكل من يكره العرب والمسلمين!. فهل نتعظ ولا نكرر نفس الخطأ فى ملفات وقضايا ومعارك اخرى؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved