حوارات بيروتية.. الرهان على السيسى

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 13 أكتوبر 2014 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

كانت هناك ثلاث رسائل أرادت الخارجية الروسية أن تكون واضحة أمام وفد فلسطينى زار موسكو قبل فترة وجيزة للغاية.

الأولى، أنه لا توجد أية احتمالات لتسوية فلسطينية إسرائيلية فى أى مدى منظور فـ«لا شىء سوف يعرض عليكم» و«لا رهانات كبرى عند إدارة أوباما».

والثانية، أن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» سوف يمضى إلى بعيد لمنع أى انهيار محتمل لنظام حليفه السورى «بشار الأسد» تحت لافتة الحرب على «داعش» فـ«سوف نمده إذا قـُصفت معسكرات قواته ومناطق تمركزها بأحدث الصواريخ المضادة للطائرات.. إس ٣٠٠ أو ما هو أكثر تقدما لكننا لن نقوم بأى تدخل مماثل تحت أى ظرف».

والثالثة، أن روسيا متأهبة على أعلى درجات الجدية للانفتاح على مصر استراتيجيا واقتصاديا من صفقات السلاح إلى المشروعات الكبرى وتراهن على رئيسها السيسى «إلى آخر مدى»، فهو «يتحدث بجدية وبلغة لم نعهدها فى أسلافه الذين تعاقبوا على حكم مصر بعد جمال عبدالناصر».

الرسائل الثلاث سجلها محضر اجتماعات لطاقم الشرق الأوسط فى الخارجية الروسية مع وفد من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» التى تراجع دورها بفداحة فى المعادلات الفلسطينية لكن لاسمها رنينا فى الذاكرة العامة فقد كانت تحت قيادة «جورج حبش» المنافس اليسارى القوى لحركة «فتح» تحت زعامة «ياسر عرفات».

فى الانفتاح الروسى الجديد على «الجبهة الشعبية» سعى لتوسيع نطاق الخيارات السياسية خارج معادلة «فتح» و«حماس» وتوقع لصعود ما فى مستوى حضورها الفلسطينى مع استحكام الأزمة الفلسطينية الداخلية.

بتعبير أحد قيادات «الجبهة»: «ضاع الوطن فى سبيل الدولة وضاعت الدولة فى سبيل السلطة وضاعت السلطة على مذابح صراعات فتح وحماس».

وبتوصيف «أبوأحمد فؤاد» الذى آلت إليه فى الشهور الأخيرة قيادة «الجبهة الشعبية» وترأس وفدها إلى موسكو فإن «الروس يراهنون عليكم بأكثر من أى توقع» و«يقدرون للسيسى أنه ذهب إلى سوتشى قبل نيويورك وإلى بوتين قبل أوباما».

الرهان الروسى يستند إلى حقائقه، فالدول الكبرى تنظر إلى مصالحها قبل وبعد كل شىء آخر وتتحسب للمستقبل بالنظر فى الفرص الممكنة المتاحة.

للصينيين رهانات مشابهة فى الانفتاح على مصر بدون صخب سياسى سعيا لمصالح اقتصادية مؤكدة فى أكبر دول الشرق الأوسط التى من المحتمل أن يتعافى وزنها الأفريقى حيث الاستثمارات الصينية تتسع.

للموقع المصرى أهميته بالنسبة للروس والصينيين والرهانات على «السيسى» فتحت المجال فى الحوارات البيروتية إلى التساؤل عن فرص دخول مصر إلى منظمة «البريكس»، أحد التكتلات الاقتصادية الكبرى فى عالمنا المعاصر والتى ضمت عند تأسيسها عام (٢٠٠٩) «روسيا» و«الصين» و«البرازيل» و«الهند» ثم «جنوب أفريقيا» فى العام التالى.

بطبيعة العلاقات التاريخية التى جمعت مصر إلى دول «البريكس» فإن انضمامها طبيعى غير أن ظروفها الاقتصادية تعوق مثل هذا الانضمام، فمتوسط النمو لدولها وصل فى العام الماضى إلى (٦.٨٪).

غير أن للحسابات السياسية كلمة أخرى، وهذه مسألة ألح عليها مثقفون لبنانيون التفتوا إلى مغزى الرسالة الروسية فى توقيتها وصياغتها.

روسيا وهى تقترب من الملف المصرى وتستكشف فرصه وتحدياته تضع فى اعتبارها التحولات المحتملة فى الحرب على «داعش» والانفلاتات التى قد تصحبها فى بنية المنطقة.. والأطراف الدولية والإقليمية الأخرى تحاول بدورها أن تستكشف طبيعة الدور المصرى بينما الدور الأمريكى يتخبط بقسوة.

السؤال الرئيسى الذى يتردد صداه فى العاصمة اللبنانية: «من هو السيسى.. وما طبيعة شخصيته.. وكيف يتصرف فى ملفات المنطقة؟».

فى محاولات الاستكشاف تطلع إلى مصر وأدوارها الممكنة فى إنقاذ منطقة توشك على السقوط النهائى وتفكيك دولها الإقليمية والعودة إلى عصور الملل والنحل والطوائف وسط حمامات دم لم يسبق لها مثيل فى العصور الحديثة كلها.

«لا ندرى كيف سيتصرف.. إذا تحرك فى ذات الاتجاهات السابقة التى أودت إلى تهميش مصر فى منطقتها طلبا للسلامة تحت المظلة الأمريكية فسوف ندخل إلى أزمات أخطر مما نعانى منه الآن.. وإذا تحرك على نحو مختلف فسوف يلتف حوله العالم العربى بأكثر مما يتوقع لكن الأمريكيين لن يتركونه وسيدخلون معه فى صدامات».

لا خيارات سهلة أمامه، ظروف بلده الصعبة تدفعه إلى الحذر قبل الحركة وأن يحسب لكل خطوة أثمانها، وأقصى ما يطلبه العالم العربى أن يحدد اتجاهه العام لا يتعجل مواقفه بأسرع مما تحتمله ظروفه ولا يعطل أدواره لأطول مما تتطلبه التحديات فـ«نحن بلا مصر لا شيء فهى العالم العربى مجسدا» بنص كلام كاتب لبنانى كبير تنشر له مقالات من وقت لآخر فى صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية.

بعبارة ثانية للكاتب نفسه فإن «مصر شبه غائبة والدول العربية الأخرى تتصرف فى أزمات وجودها كعشائر».. وبعبارة ثالثة «بعد ٣٠ يونيو انهار مشروع تسليم الشرق الأوسط للإخوان وتأكد الغرب أنهم غير مستعدين ولا جاهزين لتسلم السلطة والمشكلة الآن أن المنطقة فى فراغ والفراغ يؤدى إلى كل الظواهر المشوهة التى تحاصرنا والغياب المصرى يعنى بالضبط تقويض أية فرصة إنقاذ ممكنة من مصائر مرعبة».

فى الرهان على «السيسى» ما يتجاوز الرجل إلى المصير، واللبنانيون على تناقض توجهاتهم يراهنون عليه لأسباب مختلفة.

تيار المستقبل الذى يقوده «سعد الحريرى» وتتماهى خياراته مع الحسابات السعودية ينازعه على ذات الرهان خصمه السياسى اللدود «حزب الله» الذى تتداخل خياراته مع الحسابات الإيرانية.

كل الفرقاء السياسيين يرون بصورة أو أخرى فى الدور المصرى «بوليصة تأمين سياسية» من أية مخاطر مستقبلية لا يستطيع أحد أن يستبعدها.

فى بيروت تناقلت الأوساط السياسية انطباعات «وليد جنبلاط» أكثر قادتها إثارة للجدل واستشعارا لتوجهات المستقبل ومخاطره عن لقائه القاهرى مع الرئيس «السيسى»، فهو «رئيس يفهم جيدا فى ملفات الأمن القومى» ويرى أن «المشكلة ليست موقفك من النظام السورى، أن تحب أو تكره بشار الأسد بقدر ما هى أن سقوط النظام دون أن يصعد نظام آخر يحفظ لسوريا وحدتها وتماسكها يعنى سقوط سوريا وتقسيمها، وهذه مقدمة انهيارات أكبر فى دول المنطقة وأولها لبنان».

فى النزاع السعودى الإيرانى على النفوذ فى المنطقة معضلته الكبرى قبل حسم خياراته الأخيرة، فالسعودية تتداخل فى الحرب السورية ضد إيران قبل النظام وإيران بدورها تستهدف تقويض النفوذ السعودى حيث استطاعت وكانت آخر ضرباتها الموجعة سيطرة أنصارها الحوثيين على صنعاء بالقرب من منابع النفط فى الخليج.

السؤال الجوهرى هنا: إلى أى مدى تستطيع السياسة المصرية أن تنفتح وفق مصالحها الاستراتيجية على إيران دون أن تهتز علاقاتها مع الحليف السعودى؟

أو كيف نحفظ مسافة استقلال فى القرار الوطنى عن الحلفاء الإقليميين نساعدهم بقدر ما نستطيع دون أن نرهن خياراتنا بما يناقض مصالحنا الاستراتيجية؟

لا إجابات سهلة لكن التحديات تستدعى الحركة بصورة أفضل وأن تكون الرؤى واضحة ومقنعة للحلفاء قبل غيرهم.

ثم: كيف نمضى مع الروس إلى آخر مدى فى التعاون الاقتصادى والاستراتيجى دون صدامات كبرى مع الإدارة الأمريكية لا تحتملها اللحظة المصرية؟

والأهم من ذلك كله: كيف نستعيد ثقة العالم العربى فى مصر وأن نثبت فى الميدان أهليتها للرهانات عليها؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved