الفرق بين «قررنا» و«النظر فى»!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 13 أكتوبر 2019 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

فى واحدة من أهم توصيات مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية عصر السبت الماضى جاء الآتى: « قرر مجلس الجامعة النظر فى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة العدوان التركى على سوريا، بما ذلك خفض العلاقات الدبلوماسية ووقف التعاون العسكرى ومراجعة مستوى العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية مع تركيا».
على المستوى الشخصى، وأظن أن غالبية المواطنين العرب كانوا يتمنون ألا تبدأ هذه التوصية بكلمة «النظر فى» بل «قررنا» كذا وكذا.
أدرك تماما الحالة العربية الراهنة، وأدرك أكثر التعقيدات والتشابكات المتعلقة بالملف السورى منذ اندلاع الأزمة فى مارس ٢٠١١. وأدرك ان اجتماع امس الأول، كان مهما جدا، بل وسريعا وفعالا بالمقارنة مع قضايا وأزمات سابقة، لكن أدرك أيضا حجم الاحباط واليأس فى الشارع من جراء حالة الوهن والضعف التى جعلت أرض وطننا العربى مستباحة من الجميع.
يحسب لمصر دعوتها إلى الاجتماع العاجل، ويحسب لغالبية البلدان العربية استجابها السريعة، والتمثيل العالى جدا على مستوى الوزراء ويحسب وجود بيان ختامى قوى، واللهجة الواضحة فى إدانة العدوان وهو ما جسدته الكلمة الافتتاحية المهمة للأمين العام للجامعة السفير احمد أبوالغيط حينما قال: «علينا أن نسمى الأشياء بمسمياتها، وما حدث هو عدوان وغزو».
الاجتماع الاخير كان من الاجتماعات النادرة التى تحظى بما يشبه الاجماع، وباستثناء قطر والصومال، فقد أدان الجميع الغزو بشدة وتضامنوا مع سوريا، وكانت مصر هى الأبرز حيث قال الوزير سامح شكرى إن من حق جميع السوريين مقاومة العدوان التركى على أراضيهم بموجب حق الدفاع الشرعى عن النفس الذى نص عليه ميثاق الامم المتحدة. وأهم ما قاله شكرى أيضا إن مصر ستشارك فى جميع الجهود التى تستهدف مواجهة هذا العدوان ومحاسبة مرتكبيه. وهى فقرة مهمة جدا، لأنها يمكن أن تتضمن تحركات عملية خصوصا أن شكرى اجتمع قبلها مباشرة مع وفد من مجلس سوريا الديمقراطية الكردى.
كنت أتمنى أن تظهر الدول العربية «العين الحمرا» لتركيا وتتخذ اجراءات فعالة تبعث لها برسالة أن العرب يعارضون عدوانها فعلا وليس قولا فقط.
تخيلوا مثلا لو أن الاجتماع تمخص عن قرار بتخفيض مستوى العلاقات وسحب السفراء العرب، وان الخطوة المقبلة هى قطع العلاقات.
تخيلوا مثلا لو أن الدول العربية قررت وقف استيراد السلع التركية، التى تغرق الأسواق العربية منذ سنوات طويلة، خصوصا الملابس والمنسوجات، وبعضها مثل ــ السلع الصينية ــ رخيص جدا بما يهدد الصناعة الوطنية.
تخيلوا مثلا لو ان الاجتماع قرر وقف السياحة العربية إلى تركيا لمدة عام مثلا. هذه السياحة تمثل نسبة كبيرة فى مجمل السياحة الاجنبية إلى تركيا، وقد تمثل ضربة حقيقية لهذه الصناعة المهمة جدا للاقتصاد التركى.
تخيلوا مثلا لو أن الدول العربية قررت وقف أو تجميد استثماراتها فى الاقتصاد التركى، وكذلك سحب ودائعها وسنداتها من الخزائن التركية.
تخيلوا أيضا أن يقرر وزراء الخارجية العرب وقف وتجميد جميع العلاقات الثقافية مع تركيا، ويغلقوا المراكز الثقافية، التى تحول بعضها إلى فروع لجماعة الإخوان.
تخيلوا مثلا لو أن الدول العربية قررت إعادة الدول السورية إلى مقعدها فى الجامعة العربية، كرد مبدئى على العدوان التركى. أو أن العرب قرروا دعم ومساندة الدول السورية فى استرجاع سيطرتها على جميع الأراضى والمؤسسات السورية.
لو اننا فعلنا ذلك او نصفه فقط، لانسحبت القوات التركية من الأرض السورية فورا.
مرة أخرى أدرك حجم التحديات والتعقيدات فى هذا الملف الحساس. وإن كثيرا من الدول العربية، كان فى قطيعة كاملة مع نظام بشار الأسد حتى وقت قريب، وأن بعض الدول العربية لا يمكنها أن تجازف بخطوات دراماتيكية لا تتوافق والتصور الأمريكى أو الغربى، وأن بعضها كان يدعم جماعات ارهابية ضد الأسد حتى وقت قريب. أدرك ذلك كله، ولكن من المؤكد أننا نملك العديد من الأوراق ضد التدخل التركى وأتمنى أن يكون ذلك بأسرع وقت قبل أن يتمكن الاحتلال التركى من تغيير الطبيعة الديموجرافية فى منطقة شكال شرق سوريا، على الطريقة الاسرائيلية.
تذكروا جيدا قصة الاستيطان الإسرائيلى فى فلسطين المحتلة، وكيف بدأ وكيف حتى التهم غالبية القدس والضفة الغربية.
لا تستهينوا بالمخطط التركى ولا بداعميه. والحل أن تكون هناك تحركات عملية بعيدا عن الخطب والتصريحات والتنديد والشجب، فقد شبعنا من كل ذلك منذ ١٥ مايو ١٩٤٨!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved