أَمْوَاءٌ.. وَأَمْوَاهٌ (٢)

صادق عبدالعال
صادق عبدالعال

آخر تحديث: الثلاثاء 13 أكتوبر 2020 - 8:50 م بتوقيت القاهرة

الحديثُ عن الماءِ لا ولن يَنْضُبَ أَبَدَ الدَهْرِ، لحين أن تَرْتَوِى الأَعْيُن ونَرَىَ كُلَّ الأطفالِ، لَيْسَ فَقَط يَرْتَشِفُونَ أَمْوَاء ــ جَمْعُ ماءٍ ــ طَبِيعِيَةً صَالحَة للشُرْبِ بَلْ يَسْتَصِْرفون بوعىٍ صحىٍ أَمْوَاهَ ــ جَمْعُ مِيَاهٍ – أَبْدَانِهِم نَحوَ «صَرْفٍ صِحِىٍ» بمَعْنَى الكَلِمَةِ.. الحديثُ عَنِ الماءِ لَنْ يَجِفَ مِنْ فَمِى حتى يَتَدَارَكَ مسئولو مَصِيرِ الطفولةِ ــ مَصِيرِ مِصْرَ ــ أن الماءَ لم يَعُدْ كما كان يُذْكَرُ «أرخصُ موجودٍ وأغلَى مفقودٍ».. فقد أصبح الماءُ فى فمِ الطفلِ غالِىَ التكلفةِ سياسيا مع دُوَلِ منابعِ النيلِ، وأضحى بالمِثْلِ مُكَلِّفا اقتصاديا عندما يَغْمَطُ الطفلُ أى يَتَجَرَعُ بِشَدَةٍ المَاءَ عطشا مِن صُنْبُورِ الماءِ، أَو عِنْدَ شُرْبِ البَعْضِ مِنْهُمْ الماءَ المعبَّأ فِى أَوْعِيَةٍ بِلاسْتِيكِيَةِ الصُّنْعِ.. كَمَا باتَ الأمرُ مُكَلِّفا صحيا مُذُ فترةٍ، واسْتِبْدَالُ ارْتِوَاءِ الماءِ الرَائِقِ الصَافِى باِلمَشْرُوبَاتِ السُكَرِيَةِ «الغَازِيَةِ»، غَازِيَةٌ لَيْسَ فَقَطْ عَلَى جِدَارِ الغشاءِ المُخَاطِى لِمِعْدَةِ وَأمعاءِ الأَطْفَالِِ، أَو عَلَى تَسَوُسِ الأسْنَانِ وبَدَانَةِ الأبْدَانِ، بَل أيضا عَلَى صِحَةِ الأَلْبَابِ، وهذا حسبَ ما أكَدَهُ المَجْلِِسُ القَوْميُ النُرْوِيجِىُ لِلْتَغْذِيةِ مُنْذُ أَكْثَرِ مِن عَشْرِ سَنَواتٍ وَبِالتَحْدِيدِ فِى عِامِ ٢٠٠٦، مِن تَدَاعِيَاتِهِ العَقْلِيَةِ/السُلُوكِيَةِ، سواءٌ كَانَ عَلَى شَكْلِ نَشَاطٍ بَدَنيٍ مُفْرَطٍ، أَو اِشْكَالٍ سُلوكيٍ مُجتمعىٍّ، أَو حَتَى ضَائِقَةٍ نفسيةٍ خاصَة عِنْدَ المُرَاهِقِينَ.. هَذَا بِجَانِبِ مَا هُوَ غَيْرُ «مُسْتَسَاغٍ» حَتَى يَوْمِنَا هَذَا، والتَكْلفَةِ المَرَضِيَةِ (أى العِلاجِيَةِ) للأَطْفَالِ المُصَابَةِ بمَرَضِ الجَفَافِ «الذِهْنِيِ» قَبْلَ البَدَنِىِّ، والتَعَرُضِ المُسْتَمِرِ لمياهِ المَيْكُروبَاتِ وكَذَا الطُفَيْلِيَاتِ عِنْدَ اللُجُوءِ الدَائِم ِلمياهِ التِرْعَةِ أَو «المَصْرَفِ» الزِرَاعِىِّ!
المَصْرَفُ المَالِىُّ لِمِيزَانِيَةِ الدوَلِ المُقْتَدِرَةِ اقْتِصَادِيا وأَيْضا عِلاَجِيا، اِرْتَكَزَ فِى بِدَايَةِ الأَمْرِ عَلَى تَوْفِيرِ ــ اِسْتِبَاقِيًا ــ الحَدِّ الأَدْنىَ مِنَ الاِحْتِيَاجَاتِ الأَسَاسِيَةِ Basic Minimal Needs لِلْمَعِيشَةِ مِنْ هواءٍ نَقِىٍّ، ماءٍ وطَعَامٍ صَالِحٍ لاسْتِعْمَالِ الثَرْوَةِ الديمُوغْرَافِيَةِ بِهَا.. وَكَمِثَال لِلْذِكْر وَلَاَ الحَصرِ، تُوَفِّرُ بَارِيسُ عَاصِمَةُ دَوْلَةُ فَرَنْسَا عَدَدَ ١٢٠٠ فَسْقِيَة فِى الحَدَائِقِ والمَيَادِينِ، تَمُجُ أَى تَلْفِظُ الماءَ الصالحَ لِلْشُرْبِ فِيهِ.. كَمَا نَشَرَتْ مُؤَخَرا فِى مُعْظَمِ أَحْيَاءِ العَاصِمَةِ مَا يُسَمَى «بَيْتُ الماءِ» Maison de L’eau، كُشْكٌ لِبَلَدِيَةِ العَاصِمَةِ يَنْبُعُ مِنْهُ لَيْسَ فَقَط صَنَابِيرُ مِيَاهٍ ناضرةٍ، بل أَيْضا مِيَاهٌ فَوَارَةٌ غازيَةٌ مُضَافا فِيهَا غَازُ ثَانِى أُكْسِيدُ الكَرْبُونِ مَجَانا لِلْجَمِيعِ.. إِنَ دِمَقْرَطَةُ المِيَاهِ Water Democratization لِمُعْظَمِ الدُوَلِ الأُوروبِيَةِ، أَى ديمُقْرَاطِيَةُ تَوْفِيرُ المَاءِ الصَالِحِ لِلْشُرْبِ لِعَامَةِ الشَعْبِ، لَمْ يمْنَعُهَا مِنْ تَصْنِيعِ أَجْوَدَ أَنْوَاعَ المِيَاهِ المُعَبَأةِ، الفَوَارَةِ مِنْهَا أَو المَعْدَنِيَةِ (وَالغَنِيَةِ حَقا بِالمَعَادِنِ) عَلَى مُسْتَوَى العَالَمِ.. وعَنْهُ، تَقْدِيمُ قَنِينَةُ ماءِ الصُنْبُورِ الصَالِحَةِ لِلْشُرْبِ فِى المَقَاهِى والمَطَاعِمِ مَعَ القَهْوَةِ أَو الطَعَامِ، بَاتَ أَمْرًا طَبِيعِيًا تمَاما، وَبِدُونِ أَيِ اِحْرَاجٍ وَلاَ «تَكْلِفَةٍ».! وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، أَتَوَعَرُ فِى الكَلاَمِ عَنْ العَاصِمَةِ القَاهِرَةِ، وَأَتَحَيَرُ مِنَ النَوَاقِصِ التِى تَعْتَرِى أَى تُصِيبُ صَفْوَةَ الشَرِيحَةِ المجْتَمَعِيَةِ بِهَا، تَتَبَاهَى مُجْتَمَعِيا بِاحْتِسَاءِ زُجَاجَاتِ المِيَاهِ المَعْدَنِيَةِ المُسْتَوْرَدَةِ فِى المَطَاعِمِ الرَاقِيَةِ الرَايِقَةِ، وهِيَ فِعْلِيا عَلَى ضِفَافِ مِيَاهِ النِيِلِ، كَمَا تَكْتَفِى بِتَوْفِيرِ المَكِينَاتِ المَنْزِلِيَةِ المُعْتَمِدَةِ عَلَى العُبُوَاتِ البَلاَسْتِيكِيَةِ ذَاتِ الحَجْمِ الكَبِيرِ خَوفا مِنْ اِعْتِرَاءِ الأَمْرَاضِ بِشُرْبِ مِيَاهِ الصُنْبُورِ بِالَمَنَازِلِ، وَالتِى بِالمُفَارَقَةِ الهَزَلِيَةِ مَازَالَتْ تَسْتَخْدِمُ فِى غَسْلِ السَلَطَاتِ والفَوَاكِهِ التِى تُؤْكَلُ بِدُونِ طهى!
فَفى جَلِيَّةِ الأَمْرِ أى حَقِيقَتِهِ، أَتَعَجَبُ حَقا مِنْ وَبَائِيَاتِ الدِيكْتَاتُورِيَةِ «المُعَبَأَةِ»، تِلْكَ التِى تَعْصِفُ بمِصْدَاقِيَةِ الرِسَالَةِ الإعْلانِيَةِ عَامَة، ومَا لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ إِعْلاَمِى فِى تَعْكِيرِ نَظْرَةِ المُوَاطِنِ القَاهِرِى إِزَاء الكَفَاءَةِ المَشْهُودَةِ لآلِيَاتِ مَحَطَاتِ تَنْقِيَةِ مِيَاهِ نهرِ النِيلِ، وَالتِى لاَ أَتَصََوَرُ أَنَهَا تَخْتَلِفُ كَثِيرا عَنْ آلِيَاتِ مَحَطَاتِ تحْلِيَةِ مِيَاهِ نَهْرِ (السين) بِفَرَنْسَا.. الفَارِقُ والفَرْقُ، هُوَ فَقَطْ افْتِقَارُ وَعْى المُسْتَهْلِكِ المِصْرِى لحِقُوقِهِ الصِحِيَةِ إِزَاء السَيْطَرَةِ المَرَضِيَةِ «المُعَبَأَةِ»! كَيْفَ لا يَتَأَزَّلُ أَى يَضِيقُ صَدْرُنَا، ونَحْنُ نُراقِبُ حُزْنا عَنْ بُعْدٍ، وَ بِدونِ أَى تَدَخُلٍ مُجْتَمَعِيٍ اسْتِبَاقِيٍ، مَثَلا ظَاهِرَةَ انْدِثَارَ العَاَدَاتِ الصِحِيَةِ المِصْرِيَةِ بمَائِدَةِ الطَعَامِ فِى شَهْرِ رَمَضَانِ، واسْتِِبْدَالَ العَصَائرِ الصِحِيَةِ والطَبِيعِيَةِ المُتَوَائِمَةِ مَعَ سِمَةِ هَذَا الشَهْرِ الكريمِ، كَعَصِيرِ التَمْرِ الهِنْدِى وقَمَرِ الدِينِ والسُوبِيَا وغَيْرِها، بِغَزْوِ تِلْكَ المَشْرُوبَاتِ «المُصَفَحَةِ» الغَازِيَةِ، السُكَرِيَةِ بِأَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا العَكِرَةِ، أَو بِتَوَغُلِ تِلْكَ الميَاهِ الصِنَاعِيَةِ المُعَبَأةِ فِى حَيَاتِنَا اليَوْمِيَةِ؟
وإِنْ كَانَت مِصْرُ تحتلُ المَرْكَزَ التَاسِعَ عَلَى مُسْتَوَى العَالَمِ فى اِنْتِشَارِ مَرَض السُكَرِى بِهَا لِأَكْثَرِ مِن ٨ مَلَايِين مُصَابٍ، وَنِصْفُ مُصَاِبى هَذَا الدَاء Diabetes Type 2 بِالطَرِيقَةِ المُكْتَسَبَةِ، مِثْلُ الإفْرَاطِ فِى تَنَاوِلِ ــ بمُعَدَلِ يَوْمِى ــ تِلْكَ الَمَشْرُوبَاتُ السُكَرِيَةُ الغَازِيَةُ ــ بَدْءا مِنْ مَقَاصِفِ (الكَانْتِين بالفَرِنْسِيَةِ) المَدَارِسِ الِاِبْتِدَائِيَةِ إِلىَ مَطَاعِمِ النَوَادِى «الرِيَاضِيَةِ»! ــ فَإنَ مُدْمِنِى تِلْكَ المَشْرُوبَات لاَ يُدْرِكُونَ أَنَهُمْ مُصَابُونَ بِالمَرَضِ، وَبِالتَالِى يَكُونُ الرَقمُ الإجْمَالِى المُعْلَنْ عَنْهُ أَعْلَى بِكَثِيرٍ.. ومِنْ ثَمَ، أَيَحِقُ لِى أَنْ أَتَمَنَى لمِصْرَ مَا صَرَحَتْ بِهِ فِى شَهْرِ أُكْتُوبَرِ بِالعَامِِ المَاضِى، دَوْلةٌَ مُتَقَدِمَةٌ مِثْلَ سَنْغَافُورَة (تِعْدَادُ سُكَانِهَا مَا يَقْرَبُ مِنْ ٦ مَلايين نَسَمَةِ، وَالنَاتِجُ المَحَلِى الإجْمَالِى بِهَا ٣٤٠ مِلَْيَار دُولاَرٍ)، بِأَنَهَا أَصْْبَحَتْ أَوَلَ دولةٍ فِى العَالَمِ تَحْظُرُ إِعْلانَاتِ المَشْرُوبَاتِ السُكَريَةِ غَيْرِ الصِحِيَةِ، وَذَلِكَ فِى أَحْدَثِ تحَرَكٍ اِسْتِِبَاقِى لَهَا إِزَاءَ مُكَافَحَةِ مُعَدلاَتِ مَرَضِ السُكَرِى؟ فَحَسْبَ تَقْرِيرُ الاتحَادِ الدَوْلى لمرَضِ السُكَرِى ٣٧،٧٪ مِنَ البَالِغِينَ بِسِنْغَافُورَةِ يُعَانُون مِنْ ذَلِكَ الدَاءِ، مُعْتَبِرا إيَاهُ مِنْ أَعْلَى المُعَدَلاَتِ بَيْنَ الدُوَلِ المُتَقَدِمَةِ. وَأَشَارَ التَقْرِيرُ، أنَهُ مِنَ المُتَوَقَعِ أَنْ يَرْتَفِعَ عَدَدُ الأَشْخَاصِ المُصَابِينَ حَوْلَ العَالَمِ إِلَى ٦٢٩ مِلْيُون بِحُلُولِ عَامِ ٢٠٤٥ مِنْ حَوَالِى ٤٢٠ مِلْيُون شَخْص مُصَابُون اليَوْمِ.
نَعمْ، لَابُدَ أَن نُشِيدَ حَقا بِحَمَلاَتِ وِزَارَةِ الصِحَةِ القَوْمِيَةِ «الوِقَائِيَةِ» لِهَذَا المَرَضِ بِالمُسْتَشْفَيَاتِ وَالمُحَافَظَاتِ المِصْرِيَةِ، وَذَلِكَ لِلْكَشْفِ المُبَكِرِ عَنْ كُلِ مُضَاعَفَاتِ المَرَضِ، شَامِلا كَشْفَ قَاعِ العَيْنِ والأَسْنَانِ وَالأَعْصَابِ إلَى جَانِبِ تحَاليلِ لجَمِيعِ وَظَائِفِ الجِسْمِ.. فَهَذَا دَوْرٌ مَحْمُودٌ وَمَشْكُورٌ مِنْ وِزَارَةِ الصِحةِ وَالسُكَانِ لِلْوِقَايَةِ وَالعِلاَجِ، لَكِنَهُ فَرْدىٌ.. فَمَتَى نَأْمَلُ ــ كَخَطْوَةٍ اِسْتِبَاقِيَةٍ مُرْتَقَبَةٍ ــ مُسَانَدَةَ الوزَارَاتِ الأُخْرَى لَهَا، عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ لاَ الحَصْرِ وِزَارَتَا التعليمِ مَعَ وزَارَاتُِ الشَبَابِ وَالرِيَاضَةِ وَالإَعْلاَمِ وَالصِنَاعَةِ؟ وَلِحِينَ أَن نَنْجَحَ كِخُطْوَةٍ أُولَى فِى حَثِ مُصَنِعِى المَشْرُوبَاتِ المُحَلاَةِ بِالسُكَرِ فِى مِصْرَ عَلَى إِعَادَةِ التَفْكِيرِ فِى صِيَاغَةِ مَشْرُوبَاتِهِم، بِحَيْثِ تحْتَوِى عَلَى قَدَرٍ أقَلُ مِنَ السُكَرِ، أَنْ نُبَادِرَ مِثْلَ دَوْلَة سِنْغَافُورَة فِى حَظْرِ إِعْلاَنَاتِ المُنْتَجَاتِ غَيْرِ الصِحِيَةِ بِشَتَى الوَسَائِلِ الإعْلاَنِيَةِ ومَنْعِهَا جَذْرِيا مِنْ مَقْصفِ المَدْرَسَةِ، المَصْهَرِ الطبيعى لِلأَجْيَالِ، أَو عَلَى الأَقَلِ مَنْعِ تَواجُدِهَا ــ بِلا حَيَاءٍ ــ حَوْلَ مَسَاَراتِ الرَكْضِ أى الجَرْى (تِرَاكْ بِالإنجِلِيزِيَةِ) فِى النَوَادِى الرِيَاضِيَةِ، وَالمَفْرُوضُ أَنْ تحْمِلُ فِكْرا «رِيَاضِيا» شُمُولِيا فِى المَأْكَلِ والمَشْرَبِ إِلَى جَانِبِ الاِسْتِعْدَادَاتِ الرِيَاضِيَةِ!
ثَمَةَ بَصِيصُ أَمَلٍ يَدْفَعُنَا بمِصْرَ فِى المُسْتَقْبَلِ المَنْظُورِ إِلَى اجْتِنَابِ قُصُورِ النَظَرِ وانْطِمَاسِ البَصِيرَةِ.. فَيَنْبُوعُ الحِكْمَةِ الصِحِيَةِ، وَالذِى هُوَ مِنْ أهَمِ رَكَائِز عِلْمِ الصِحَةِ الاسْتِبَاقِيَةِ PREEMPTIVE HEALTH، ضَرورَةُ السَبْقِ بتطبيقِ الفِكْرِ المُنْبِعِ Upstream way of thinking أَى بِتَوْجِيهِ ــ دَوْما ــ التَفْكِيرِ لمَنْبَعِ المَشَاكِلِ أَى مَصْدَرِ الأَمْرَاضِ البِيئِيَةِ ــ سَوَاءٌ المِيَاهِ، أو الهَوَاءِ أَوْ الطَعَامِ ــ وَسُرعَةُ التَخْطِيطِ مُبَكِرا للإطاحَةِ بِهَا، وَلِوَأْدِهَا أَصْلا فِى مَهْدِهَا، مِنْ قَبْلَ أَنْ تُتَرْجَمَ إِلَى بَوَادِرِ الأَعْرَاضِ المَرَضِيَةِ الأَوَلِيَةِ.. أَقْصدُ بِذَلِكَ، وَنَحْنُ نَتَحَدَثُ عَنْ تَلَوُثِ المَاءِ بِالسُمُومِ سَوَاءٌ كَانَتْ «سُكَرِيَةً» بِأَشْكَالِهَا أَوْ مَيْكُروبِيَةً بِأَنْوَاعِهَا، لاَ يَجُوزُ فِى القَرْنِ الوَاحِدِ والعِشْرِين الاِعْتِمَادُ فَقَطْ عَلَى عِلاَجِ ــ مِرَارا وَتكْرَارا ــ الصَيَادِ الذِى يُصَابُ بِالتَسَمُمِ مِنْ وَجْبَةِ سَمَكٍ مُلَوَثٍ تمَ صَيْدِهِ فِى المِيَاهِ المُلَوَثَةِ مِنْ مَصَبِ الترْعَةِ، أَو أَنْ نَكْتَفِى وِقَائِيا بِالكَشْفِ المُبَكِرِ والمُتَكَرِرِ ــ طَالمَا المِيَاهُ مَازَالَتُ مُلَوَثَةٌ بِأسْمَاكِهَا ــ عَنْ أَعْرَاضِ التَسَمُمِ لِلصَيَادِ، بَلْ المُتَوَقَعُ هُوَ ضَرُورَةُ السَبْقِ بِالسَعْى لِلْتَخَلِصِ مِنْ سُمُومِ المِيَاهِ ذَاتِهَا مِنْ مَنْبَعِ لاَ مَصَبِ الترْعَةِ!
وَفِى وَاقِعِ الأَمْرِ، دَرْءُ الأَمْرَاضِ مِنْ المِنْبَعِ يَبْدَأُ مِنْ لحْظَةِ الوِلاَدَةِ بِالمُسْتَوْصَفِ العَامِ أَوْ المُسْتَشْفَى الخَاص.. أَلاَ يَحِقُ لِى أَنْ أَبْتَئِسُ كَطَبِيبِ حِفْظِ صِحَةِ الأَطْفَالِ قَبْلَ عِلاَجُ عِلَتِهِم، بِرُؤْيَةِ الكَثِيرِ مِنْ أُمَهَاتِ صَعِيدِ مِصْرِ يَسْتَبْدِلْنَ تَو الوِلاَدَةِ الرِضَاعَةَ الطَبِيعِيَةَ بِالأَلْبَانِ «الصِنَاعِيَةِ»، وَذَلِكَ تحْتَ تَأْثِيرِ «ظَمَأِ» الرِبْحِ الحَرَامِ والجَشَعِ المَادِى، لِقِلَةٍ «غَيْرِ رَحِيمَةٍ» ممَنِْ يَعْمَلُونَ فِى مَجَالِ الصِحَةِ، بِزَعْمِ أنَ هِبَةَ الرِضَاعَةِ الطَبِيعِيةِ بمَاءٍ ثَرِى (٩٠٪ مِنْ لَبَنِِ الأُمِ مَاءٌ مُعَقَمٌ) ذِى فَوَائِدِ صِحِيَةٍ لاَ تحْصَى بَاتَتْ غَيْرُ مُتَوَافِرَةٍ أَو غَيْرُ كَافِيَةٍ عِنْدَ الأُمِ، وعَنْهُ لُزُومِ اللُجُوءِ لِبَدِِيلٍ «صِنَاعِى» مُذَابٍ عَادَة بماءٍ غَيْرِ صِحِىٍّ أَضْحى أَمْرًا لاَ تَفَاوُضُ فِيهِ، بِزَعمِ غَرَضٍ «إنْسَانِىٍّ» أَلاَ وَهُوَ غَمْد جُوعِ المِوْلُودِ البَاكِى، كَمَا يَدَعُونَ.. لِذَا، يَجِبُ أَنْ يَتَفَضَلَ الطَبِيبُ المُشْرِفُ عَلَى رِعَايَةِ الأُمِ فترةَ الحَمْلِ وَخَاصَة مَا قَبْلَ الوِلاَدَةِ، بِالسَبْقِ بِتَوْعِيَةِ الأُمِ بِحُقُوقِهَا الصِحِيَةِ مَا قَبْلَ ذِهَابِهَا لِلْوِلاَدَةِ، مَعَ تَقْيِيمِ كَفَاءَتِهَا التِقْنِيَةِ لِلْرِضَاعَةِ الطَبِيعِيَةِ، إِلَى جَانِبِ التَّنْوِيرِ المُسْبَقِ لِطَبِيعَةِ عَمَلِيَةِ الوِلاَدَةِ. وَهَذِهِ تُعْتَبَرُ خُطْوَةً صِحِيَةً هَامَةً تَأْتِى لاسْتِبَاقِ «الأَحْدَاثِ» مِنَ المَنْبَعِ، تُغْفَلُ ــ جَهْلا أَو عَمْدا ــ عَنْ الأُمِ المُسْتَنِيرَة قَبْلَ الأُمِيَةِ، وَحَتَى يَوْمنَا هذا! وَلنَتَدَارَكُ أَنَ هَذَا المَولُودُ المَوبُوقُ ــ أَى الذِى أُجْبِرَ ذِلَة الاِعْتِمَادِ عَلَى الرِضَاعةِ «غَيْرِ الطبيعيةِ» بمَاءٍ أَقَلِ طَهَارَةً وَنَقَاءً عَمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يُهْدَى لَهُ كَهِدِيَةٍ طَبِيعِيَةٍ وكَهِدَاَيةٍ صِحِيَةٍ ــ وُلِدَ أَسَاسا بِجِسْمٍ «مائى» تَصِلُ نِِسْبَةُ المَاءِ فِيهِ ٨٠٪، وَيُشَكِلُ حَوَالِى ٨٣٪ مِنْ مُكَوِنَاتِ الدَمِ الذِى يَسْقِيهِ، ٧٣٪ مِنَ العَضَلاتِ التِى تحْمِيهِ، و٢٥٪ مِنَ دُهُونِ جِسْمِهِ التِى تُغَلِفُهُ، و٢٢٪ مِنْ تَشْكِيلِ العِظَامِ التِى تُؤَسِسُهُ.. ومِنْ ثمَّ، أليس مِنَ الأجْدَى، كخُطْوَةٍ صِحِيَةٍ اسْتِبَاقِيَةٍ، أَنْ نُسْرِعُ بِسَدِ مِنَ المَنْبَعِ مَجْرَى هَذَا التَيَارِ «غَيْرِ الطَبِيعى»، وَتجْرِيمِ ــ تَشْرِيعيا ــ هَذَا التَحَايُلِ التُجَارِى الآثِمِ، وَهَذَا أَولا وَأَخِيرا لِضَمَانِ نَشْأةِ أَطْفَالِ المُسْتَقْبَلِ، مَصِيرِ مِصْرَ، أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ صِحَةً وعَافَِيةً أَيْضًا مِنَ المَنْبَعِ؟!
والجديرُ بِالذِكْرِ والتَذْكِرَةِ ــ وَقَبْلَ أَنْ تَتْرُكَ مَرَة أُخْرَى «نِصْفَ كُوبِ المَاءِ» الذِى أمَامَكَ، فَارِغا أَوْ مُمْتَلِئًا حَسَبَ رُؤيَتِكَ التَفَاؤُلِيَةِ فِى الحَيَاةِ عَامَة – أَنْ تَعْرِفَ جَيِدا أَنَ جِسْمَكَ المُتَكَوِن مِنْهُ ٥٥٪ إِلَى ٧٥٪ مَاءٌ فِى المُتَوَسِطِ (أََى حَوَالِى ٤٨ لِتْرِ مَاءِ) حَسَبَ مُعَدَلِ ارْوَائِكَ لَهُ يَوْمِيا وَعِدَةِ عواملِ أُخرى، منها السِنُ والوَزْنُ والبيئَةُ المحيطةُ وكَذَلِكَ الحالةُ الصِحِيَةُ لَكَ، قَدْ يَفْقُدُ يوميا عَشْرَة أَكْوَاب أَو أكثَرَ مِنَ المَاءِ لِمُجَرَدِ عَمَلِيَةِ التَنَفُسِ الطَبِيعِيِ والتَعَرُقِ والتَبَوُلِ، إِلَخْ.. وعَنْهُ، حَتَى لا يَصِلُ بِكَ الأَمْرُ لإظهارِ أولِ علامةِ اِنذَارِ الإصَابَةِ بِالجَفَافِ أَلاَ وَهِىَ الإحْسَاسُ بالعَطَشِ، يُنْصَحُ لَكَ دوما بِتَعويضِ هَذَا الفَاقِدِ بالشُرْبِ وَأَيْضا بالأَكْلِ: نَعَمْ.. مُعْظَمُ الفَوَاكِهِ والموالحِ والخضراواتِ ٩٠٪ من مُكَوِنَاتِهَا ماءٌ، حتى التُفَاحَةِ الصلْبَةِ ٨٤٪ مِنْهَا مَاءٌ، والمُوزَةِ ٧٤٪ مِنْهَا مَاءٌ.. فَاشْرَبُ أَرْجُوكَ مِنَ المَاءِ الوَفِيرِ لِما «تَأْكُلَهُ» مِنْ سَلَطَاتٍ وَخضْرَاوَاتٍ وَفَاكِهَةٍ بِجَانِبِ العَشْرَةِ أكوابٍ من المَاءِ يَوْمِيا، لِأَنَكَ تعيشُ فى دَولَةٍ ومنطقةٍ صَحْرَاوِيَةٍ ِحارةٍ، وهَذَا حديثٌ سَنَسْتَهِلُ بِهِ المَقَالَةَ القَادِمَةَُ.. فَقَدْ تَكَلَمنَا فِى المَقَالَةِ السَابِقَةِ عَنْ دَوْرَةِ الماءِ «الإلَهِيَةِ»، واسْتَعْرَضَنَا اليومَ دورةَ الماءِ «الآدَمِيَةِ» مِنْ خَلْقِ اللهِ أيضا.. وإن شاءَ الرَحْمَنُ، سَنَخْتُمُ الكَلامَ فِى المَقَالَةِ القَادِمَةِ بالحديثِ المُؤْلِمِ، كَرِيهِ الرَائِحَةِ، عن «دَوْرَاتِ المِيَاِه» غَيْر الآدَمِيَةِ، مِنْ جَرَاءِ فِعْلِ بَنِى آدَمَ وحَوَاء كِلَيْهُمَا حَتَى اللَحْظَةِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسٍ ثَالِثٍ آخَرٍ، والعِيَاذُ بِاللهِ!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved