التداعيات الاقتصادية للحرب على لبنان
قضايا اقتصادية
آخر تحديث:
الأحد 13 أكتوبر 2024 - 6:20 م
بتوقيت القاهرة
تعتبر الحرب الإسرائيلية على لبنان، التى تصاعدت وتيرتها فى الربع الثالث من عام 2024، نقطة تحول خطيرة فى تاريخ لبنان المعاصر، لبنان التى تعانى منذ سنوات من أزمة اقتصادية خانقة، فقد أدى النزاع إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية التى كان الشعب اللبنانى يعانى منها بالفعل، تعمق تلك الحرب من الخسائر الاقتصادية وتفاقم الأوضاع السيئة بالفعل، حيث شهد الاقتصاد اللبنانى سنوات من تدهور الناتج المحلى الإجمالى وارتفاع معدلات البطالة، وتدمير البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والمستشفيات والمدارس، وزيادة معاناة السكان.
تتركز الأنشطة الرئيسية فى الناتج المحلى الإجمالى اللبنانى حول قطاعات الخدمات والتى يعد أبرزها قطاع السياحة، والبنوك، والعقارات، حيث يسهم قطاع الخدمات بحوالى 70% من الناتج المحلى الإجمالى، تليه قطاعات الزراعة والصناعة، إلا أن هذه القطاعات واجهت تحديات كبيرة نتيجة للانكماش الاقتصادى والفساد المستشرى؛ مما أدى إلى تراجع الاستثمارات والنمو الاقتصادى، وبالنظر إلى مصادر النقد الأجنبى للبنان، فتأتى التحويلات المالية من المغتربين كأحد أهم تلك المصادر، وتشكل نسبة كبيرة من الدخل القومى فى لبنان، كما يسهم قطاع السياحة فى توفير جزء كبير من النقد الأجنبى.
• • •
يُعانى الاقتصاد اللبنانى من أزمات متعددة أثرت بشكل كبير فى أدائه خلال السنوات العشر الماضية، تلك الأزمات أدت إلى تدهور كبير فى الناتج المحلى الإجمالى، قبل الأزمة الاقتصادية التى بدأت فى عام 2019، كانت لبنان فى وضع أفضل إذ كان الناتج المحلى الإجمالى للبنان حوالى 52 مليار دولار، لكن بحلول عام 2021، انخفض إلى نحو 23.1 مليار دولار، مما يعكس انكماشًا حادًا بنسبة تتجاوز 50% خلال عامين فقط، توجد أسباب عديدة وراء ذلك الانخفاض إلا أن هناك عددًا من الأسباب الرئيسية أهمها الأزمة المالية والمصرفية التى حدثت فى أواخر عام 2019، إذ انهار النظام المصرفى اللبنانى نتيجة تراكم الدين العام وعدم القدرة على دفع التزامات الدولة.
دفع ذلك البنوك اللبنانية لفرض قيود شديدة على سحب الأموال والتحويلات بالعملات الأجنبية؛ مما أدى إلى تجميد ودائع العملاء وأثّر فى الاقتصاد بشكل عام بتدمير الثقة فى القطاع المصرفى وهو ما دفع المركزى اللبنانى لاتخاذ قرار رفع سعر الفائدة؛ مما تسبب فى تدهور الأوضاع المالية فى لبنان، تسبب تدهور الأوضاع المصرفية والقيود على سحب العملة فى لبنان فى انخفاض التحويلات المالية من المغتربين والتى يعتمد عليها الاقتصاد اللبنانى بشكل كبير، أما السبب الآخر فهو انفجار مرفأ بيروت والذى حدث فى أغسطس 2020 حيث دمر ذلك الانفجار البنية التحتية الحيوية فى العاصمة وأدى إلى خسائر مالية واقتصادية ضخمة حيث قدر البنك الدولى الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الانفجار بحوالى 8 مليارات دولار؛ مما أدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية وزيادة الانكماش، ثم جاءت جائحة كوفيد-19 لتأتى على ما تبقى من اقتصاد لبنان الهش لتوقف قطاعات حيوية مثل السياحة والخدمات؛ مما أدى إلى انخفاض الإيرادات الاقتصادية بشكل كبير.
أثرت تلك الأوضاع الاقتصادية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين والمواطنات فى لبنان، الذين يتجاوز عددهم حوالى 6 ملايين نسمة مع وجود كثافة سكانية مرتفعة فى المناطق الحضرية مثل بيروت وطرابلس، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 70% من السكان يعيشون تحت خط الفقر فى ظل الأزمات الراهنة، حيث تؤثر الأزمة الاقتصادية فى الحياة اليومية للشعب اللبنانى، حيث شهدت البلاد زيادة فى معدلات البطالة، التى تقدر بحوالى 29.6% فى عام 2022؛ مما زاد الضغط على الاقتصاد والمجتمع فى ظل هذه الظروف.
أما عن الجنوب اللبنانى الذى يقع تحت وطأة النيران الإسرائيلية، فهو يمتد من نهر الليطانى وصولًا إلى الحدود مع إسرائيل فى الجنوب، ويشمل أراضى زراعية وسكنية، إضافة إلى البنية التحتية الرئيسية، ويعيش بتلك المنطقة قرابة 1.5 مليون نسمة، فى عدد من المدن الرئيسية مثل صيدا، صور، النبطية، ومرجعيون، بالإضافة إلى عشرات القرى والبلدات الصغيرة، ويبلغ عدد البلدات فى المحافظة الجنوبية حوالى 160 بلدة. تغطى هذه المنطقة مساحة جغرافية تقدر بحوالى 3,900 كيلو متر مربع، ويعتمد قاطنو تلك المناطق على الزراعة بشكل رئيسى؛ حيث يُعتبر إنتاج الزيتون والحمضيات والكروم من أبرز الحرف المتداولة. كما يتمتع الجنوب بمصادر طبيعية مهمة، مثل الغابات والأراضى الزراعية الخصبة؛ مما يسهم فى النشاط الزراعى المحلى، ويمتلك الجنوب اللبنانى شبكة طرق تمتد لأكثر من 500 كيلو متر؛ مما يسهل التنقل بين البلدات المختلفة. كما تحتوى على عدد من المدارس والمستشفيات والمصالح الحكومية، إذ تشير التقديرات إلى وجود حوالى 150 مدرسة و30 مستشفى، ويشكل الشيعة حوالى 67%، بينما يمثل السنة والمسيحيون 13% و20% على التوالى. تُعتبر مدينة صيدا، عاصمة الجنوب، واحدة من أكبر المدن بعد بيروت وطرابلس.
• • •
خلال السنوات الخمس الماضية، واجه الاقتصاد اللبنانى تدهورًا حادًا، حيث تأثر بشكل كبير بعدة عوامل داخلية وخارجية. ففى عام 2020، انخفض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 21.4٪ نتيجة الأزمات السياسية والمالية، وتدهور الأوضاع الاجتماعية الناجم عن الانفجار الكبير فى مرفأ بيروت فى أغسطس 2020، والذى أثر بشكل مباشر فى الاقتصاد الوطنى. مع تزايد الضغوط، وصل معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ 150٪ فى عام 2021 و241.4٪ فى عام 2022؛ مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للأفراد وتراجع قيمة العملة اللبنانية بشكل حاد؛ حيث قفز سعر الدولار من 1,507 ليرات فى 2019 إلى 100 ألف ليرة فى 2023؛ مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادى وأدى إلى تفشى الفقر.
على الرغم من هذه التحديات، شهدت بعض المؤشرات تحسنًا طفيفًا فى عام 2021، حيث بدأت إيرادات السياحة فى التعافى بعد انخفاضها الكبير خلال جائحة كوفيد-19، فإن الإيرادات لم تصل إلى مستويات ما قبل الأزمة. كما شهدت إيرادات تحويلات العاملين بالخارج تراجعًا؛ حيث انخفضت من 7,800 مليون دولار فى 2019 إلى 5,000 مليون دولار فى 2023؛ مما يعكس ضغوطًا متزايدة على العائلات اللبنانية، ومن ثَمّ فقد عانى الاقتصاد اللبنانى من أزمات مالية غير مسبوقة وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
ووفقًا للبيانات الواردة بتقرير الأمم المتحدة والتى نشرت على المواقع الإخبارية، فقد كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد اللبنانى تعافيًا فى عام 2024 لينمو بنسبة 1.7% فى العام 2024، يتبعها نمو بنسبة 3.8% فى عام 2025، لكن تلك التقديرات كانت قبل الحرب التى شنتها إسرائيل على الجنوب اللبنانى، إذ دمرت تلك الحرب جزءًا كبيرًا من البنية التحتية وتسببت فى انقطاع الخدمات الأساسية، ودمرت الطرق والجسور، وعطلت حركة التجارة والنقل وسببت الشلل بالنشاط الاقتصادى والزراعى، كما أن استهداف المنشآت الصناعية والمرافق الحيوية عمق من الأزمة؛ مما تسبب فى زيادة البطالة وأفقد آلاف العائلات مصادر رزقها، بالإضافة إلى ذلك، أضحى الاقتصاد اللبنانى يعانى من زيادة فى الديون والعجز المالى نتيجة لاحتياجات إعادة الإعمار؛ مما سيؤدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية القائمة ويؤدى إلى تبعية أكبر للمساعدات الدولية، تشير التقديرات الأولية لتلك الهجمات الإسرائيلية على لبنان إلى خسائر بحوالى 1.5 مليار دولار أمريكى، وربما يدفعنا ذلك إلى كارثة إنسانية جديدة تشابه كارثة غزة الإنسانية، الأمر الذى يتطلب تدخلًا على المستوى الدولى لوقف الحرب والاتجاه للمفاوضات الدبلوماسية.
• • •
يعانى اقتصاد لبنان الهش بالفعل حاليًا من قصف إسرائيلى متواصل على الجنوب اللبنانى، يتسبب ذلك القصف فى دمار البنية التحتية مثل الطرق والجسور والمرافق العامة، وتدمير الأراضى الزراعية التى يعتمد عليها جزء كبير من سكان الجنوب لكسب لقمة عيشة، وعرقلة طرق التجارة الداخلية والخارجية، وتسببت حالات النزوح الداخلى الجماعى فى الضغط على الموارد المحلية نتيجة زيادة عدد السكان فى المناطق الآمنة؛ مما سيسهم فى استنزاف الموارد المحلية مثل المياه والغذاء والخدمات الصحية، ناهيك عن ارتفاع الأسعار الذى سيسببه ذلك الضغط والعبء الإضافى المطلوب لتوفير المساعدات الإنسانية، من جانب آخر فإنه مع زيادة عدد النازحين والنازحات، تواجه الحكومة تحديات كبيرة فى توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية؛ مما يؤثر فى جودة التعليم والرعاية الصحية المتاحة، هذا فضلا عن الآثار النفسية والاجتماعية العميقة على السكان؛ مما يؤدى إلى زيادة معدلات القلق والاكتئاب بين الأشخاص النازحين والمقيمين على حد سواء، وهذا يمكن أن يؤثر فى الإنتاجية الاقتصادية فى المستقبل.
أما عن تكاليف إعادة الإعمار فوفقًا لعدد من التقديرات فإن تكلفة إعادة إعمار الجنوب اللبنانى ستكلف حوالى 15 مليار دولار أمريكى، تتمثل تلك التكاليف فى إعادة بناء الطرق والجسور والمرافق العامة والتى تتطلب استثمارات كبيرة ووقتا طويلا قد يمتد لعدة سنوات؛ مما سيؤثر فى النمو الاقتصادى على المدى الطويل، وفى السياق نفسه فإن تكلفة تعويض السكان المتضررين نتيجة الحرب سواء من خلال تقديم الدعم المالى أو مساعدات الإسكان سيعد جزءًا أساسيًا من تكلفة إعادة الإعمار، وستحتاج الحكومة اللبنانية إلى دعم دولى لإعادة الإعمار، مما يتطلب تحسين العلاقات الدبلوماسية والالتزام بإصلاحات اقتصادية هيكلية لتحقيق ذلك، وهو ما سيكون له تأثير كبير فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب اللبنانى.
أحمد بيومى
المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية