الرئيس وحيدا

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الجمعة 13 نوفمبر 2015 - 11:40 م بتوقيت القاهرة

بكلمات مباشرة أعرب صديق مقرب من الرئيس، والعلاقة بينهما قديمة ومجربة، عن خشيته من أن يجده وحيدا متشككا فى أن هناك من يعمل على فرض عزلة سياسية عليه.
فى عزلة السياسة استدعاء لارتباك الأداء العام.
لا يمارى عاقل واحد أن الأداء العام متراجع بفداحة كأنه أسلاك كهرباء عارية تكاد تصعق.
أسوأ استنتاج ممكن أن النظام الجديد يلخصه رجل واحد.
مرة بعد أخرى يطلب شراكة الآخرين، الشعب كله، فى تحمل المسئولية الثقيلة دون أن تكون هناك مبادرة واحدة تتسق مع الطلب المتكرر.
لا شراكة فى المسئولية بلا رؤية وتصورات وسياسات وآليات.
هذه أبجديات سياسية لا يمكن إغفالها.
فى تفسيره للدخول فى تفاصيل المشروعات والخطط أن الجهاز الحكومى قد خرب بالكامل، وإن لم يتدخل فيها بنفسه فلن يحدث أى إنجاز.
هذا صحيح نسبيا غير أن غياب أية خطة معلنة لإصلاح الجهاز الحكومى تضخ دماء الحيوية والكفاءة فى شرايينه المتيبسة يعنى بالضبط حكما مبكرا بالإخفاق فى بلد منهك لا يقدر على تحمله.
فى غياب الرؤى التى تتسق مع رهانات ثورتين تصدرت المشهد دولة الموظفين التى تنتظر التعليمات من رجل واحد.
لا أحد يعرف ما معايير اختيار الوزراء والمحافظين، ولا أحد مستعد أن يبحث عن الكفاءات فى مواقع الإبداع والإنتاج والعلم والسياسة.
من أزمة إلى أخرى تتأكد قلة الكفاءة وسوء الأداء العام بما استدعى الجيش للعب أدوار أجهزة الدولة المعطلة على ما جرى فى مواجهة أزمة السيول والأمطار بالإسكندرية.
فى الكوارث الكبرى تتدخل الجيوش للإنقاذ والمساندة لا لكى تكون بديلا كاملا عن الأجهزة المحلية.
كما ليس من أدوارها الطبيعية التدخل لخفض الأسعار وتوفير السلع الرئيسية فى الأسواق.
فى استدعاء الجيش لغير مهامه عبء إضافى عليه وهو يخوض حربا ضارية مع الإرهاب.
تقليديا يتمتع الجيش المصرى بثقة شعبه.
هذه حقيقة تاريخية تعود بداياتها إلى طبيعة نشأة الدولة المصرية الحديثة على عهد «محمد على» فهو قاعدتها الصلبة وسند شرعيتها التى تأكدت فى لحظات الهزيمة كما فى لحظات الانتصار.
غير أن استدعاءه فى كل أزمة إعفاء لمؤسسات الدولة الأخرى من مهامها.
الرئيس بحكم وظيفته الدستورية مدنى وإن كانت خلفيته عسكرية.
تأكيد مدنية الدولة مسألة لا يمكن تجاوزها.
هناك من يطلب فى الميديا الغربية ومراكز البحث والتفكير ودوائر صنع القرار فى دول مؤثرة دولية وإقليمية حصاره فى «صورة الجنرال».
بعض التصرفات تؤكد ما يطلبون من صور عن ثورة (٣٠) يونيو والرجل الذى صعد بعدها إلى السلطة العليا عبر صناديق الاقتراع التى لا يمكن التشكيك فى نزاهتها.
فى خلط الصور تفريغ لـ«يونيو» من طابعها الشعبى طلبا لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
بكل احترام أدعو الرئيس ألا يخاطب الشعب مرة أخرى عبر الندوات التثقيفية للقوات المسلحة إلا إذا كان الأمر يتعلق مباشرة بالشئون العسكرية أو رفع الروح المعنوية للقوات.
بحسب الحكمة العربية الشائعة فلكل مقام مقال.
إذا أردنا حوارا جديا تحتاجه مصر الآن أكثر من أى وقت مضى لابد أن تكون المصارحة كاملة.
وإذا أردنا رفع منسوب الأمل فى المستقبل وأن يكون هناك اصطفافا حقيقيا كما يطلب الرئيس دائما فلكل شىء قواعده.
أول قاعدة فتح قنوات الحوار العام ومراجعة الأخطاء لسد الثغرات وإعادة بناء الشرعية التى تصدعت وفق قاعدة أن «المسئولية واجب والحرية حق».
المسئولية تتطلبها تداعيات سقوط الطائرة الروسية التى تنذر بشبه حصار اقتصادى.
والحرية مسألة ضرورية حتى تكون المسئولية حقيقية، فالأحرار مهما اختلفوا كلمتهم مصدقة.
بحكم التجارب المصرية المريرة فإن كل ما هو مصطنع لا يصمد فى أى امتحان.
ننسى أحيانا أن العالم يشاهد ويتابع ما ينشر فى الصحف ويبث على الفضائيات وبعضه مخجل إلى حدود تثير الشفقة على المستوى الذى انحدر إليه إعلام بلد فى حجم مصر.
ذلك كله عبء عليه يسحب من رصيده بقسوة.
«عندما ينظر العالم إليك فإنه يطل عبرك إلى ما وراءك» بتعبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل».
لا يمكن الفصل بين الداخلى والخارجى على أى نحو ولا فى أى سياق.
الانكشاف الداخلى يؤدى حتما إلى الانكشاف الخارجى أمام الأصدقاء قبل الأعداء.
بأسبوع واحد تبدى هذا الانكشاف المزدوج بقضيتى «صلاح دياب» و«حسام بهجت».
فى الحالتين لم نعرف الأسباب الحقيقية للقبض عليهما ولا الأسباب التى استدعت الإفراج بعدما مددت سلطات التحقيق فترة الاحتجاز.
عندما يقول الرئيس «لن أقبل إهانة رجل أعمال» فما الذى يعنيه بالضبط؟
إذا كان يعنى أنه لا يتقبل إهانة أى مواطن ولن يسمح مرة أخرى باقتحام غرفات النوم بالأسلحة فهذا تعهد له قيمته ويستحق تحيته.
بعد ذلك هناك تساؤلات تتعلق جوهريا بكفاءة الأداء العام التى انخفضت إلى حد استدعاء أزمات بلا ضرورة.
أولاهما، هل كانت قضية حيازة سلاح بدون ترخيص الموجهة لـ«دياب» ونجله «توفيق» ذريعة للتنكيل على خلفية أمور أخرى لم يكشف عنها أمام جهات التحقيق؟
وثانيتهما، هل نحن بصدد فتح ملف أراضى الدولة أم إغلاقه، فالقضية ليست «دياب» وحده وإنما القواعد التى تحكم بلا تمييز؟
وثالثتهما، هل الإفراج جاء استجابة لطلب وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى»؟
القصة نفسها تكررت بصيغة أخرى مع الحقوقى «حسام بهجت» الذى أحيل إلى القضاء العسكرى فى قضية يمكن غض الطرف عنها وأفرج عنه بعد بيان للأمين العام للأمم المتحدة «بان كى مون».
هناك معلومات أولية تضيف إلى سجل التدخلات الأجنبية رؤساء أمريكا الجنوبية الذين التقوا بنظرائهم العرب فى قمة مشتركة بالعاصمة السعودية الرياض.
فقد حذر بعض السفراء المصريين بدول أمريكا الجنوبية من احتمال أن يطرح بعض الرؤساء اللاتينيين قضية حقوق الإنسان فى مصر بحضور الرئيس «عبدالفتاح السيسى».
الملف متخم ويستحق التفاتا جديا، فلا نحن نستطيع أن نتجاهل العالم ولا مصر تستحق أن تهدر حقوق مواطنيها دون رد المظالم.
فى الحالتين الأكرم لهذا البلد أن يكون القرار قراره وأن يأتى الإفراج المستحق بناء على تقدير سياسى يدرك التكاليف السياسية قبل الإجراءات الخشنة.
وفى الحالتين انكشاف يستحق المراجعة الجدية والتصحيح اللازم لمستويات الأداء العام.
لا يمكن تجنب أية مطبات خطيرة فى المستقبل بلا إدارة سياسية تنحى دولة الموظفين وتعيد الاعتبار للرؤى والأفكار قبل السياسات والمشروعات.
أن يقال إن الرئيس يعمل وحده بلا حكومة كفؤة ولا مستشارون سياسيون فهذه كارثة يتعين تداركها قبل فوات الأوان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved