أخطاء إدارة أزمة الطائرة الروسية

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 13 نوفمبر 2015 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

وصل الاهتمام بإدارة الأزمات وكيفية التعامل معها حول العالم، لتصبح مادة دراسية مفروضة على العسكريين والسياسيين والاقتصاديين ورجال الأعمال. وتثبت طريقة إدارة أزمة سقوط الطائرة الروسية حتى الآن ابتعاد الحكومة المصرية كثيرا عما وصل إليه العالم من طرق وآليات حديثة للتعامل مع الأزمات. ولم تترك الحكومة المصرية خطأ إلا واقترفته. نعم تتصف الأزمة بعدم توقعها ومفاجأة توقيتها، مما لا يسمح إلا باتخاذ قرارات سريعة حاسمة فى ظل نقص للمعلومات الأساسية، وفى حالات كهذه يكون من الحكمة التركيز فقط على تقليل الخسائر.

•••

بعد ساعات من سقوط الطائرة، أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس بسيناء مسئوليته دون إشارة إلى كيفية سقوط الطائرة. وتسارعت أحداث الأزمة مع إيقاف عدة شركات طيران رحلاتها لسيناء، واختارت أخرى تجنب الطيران فوقها. شركة الطيران الفرنسية والألمانية والإمارتية بادرت بذلك كفعل احترازى انتظارا لما ستكشف عنه التحقيقات. وفى خطابه بعد سقوط الطائرة بيوم واحد، قال الرئيس السيسى إن التحقيق قد يستغرق شهورا، إلا أن بريطانيا لم تنتظر انتهاء التحقيقات، وبادرت بوقف الرحلات من وإلى مطار شرم الشيخ على خلفية معلومات استخباراتية تقول إنها حصلت عليها. ومن واشنطن خرج عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى ليؤكدوا بنسبة 99% احتمال وجود عمل إرهابى وانفجار قنبلة أدت لسقوط الطائرة. ثم أشعل الرئيس أوباما أجواء التغطية الاعلامية للحادثة يوم الأربعاء 4 نوفمبر، بعدما قال إن قنبلة قد تكون وراء سقوط الطائرة، ولكنه ذكر أيضا أن الأدلة على ذلك ليست قاطعة بعد. ثم كان القرار الأهم خلال هذه الأزمة المستمرة والذى جاء من موسكو، إذ فاجأ الرئيس بوتين النظام المصرى ووافق على اقتراح أجهزة استخباراته بتعليق الرحلات الجوية ليس فقط إلى شرم الشيخ، بل إلى مصر كلها.

•••

بداية لا يمكن التعامل الجيد مع أزمة إذا لم يكن واضحا لصانع القرار إطارها العام، بما فى ذلك حجم ومعنى وقيمة الحادثة عند الأطراف المرتبطة به. وتضاعفت أهمية سقوط الطائرة على سبيل المثال، عندما ارتبطت بمحاربة الحكومة المصرية لتنظيمات إرهابية داخل سيناء مرتبطة بتنظيم الدولة «داعش» من ناحية، ومن ناحية أخرى ارتبط الحادث بالدور والهجمات الروسية فى الصراع المسلح داخل سوريا، ومن ناحية ثالثة أضاف تواجد مئات الجنود الأمريكيين فى معسكرى قوات حفظ السلام الدولية فى شرم الشيخ والعريش، بعدا أمريكيا جديدا للحادث. فى ذات الوقت يبدو أن بعض الأطراف الحكومية تعاملت مع الحادثة كونها «أزمة وتعدى».

•••

ولا يبدو النظام المصرى مدركا أن العالم تغير فيما يتعلق بسلامة الطيران وتأمين المطارات، بحيث أصبح هناك عالمان، عالم ما قبل وعالم ما بعد 11 سبتمبر 2001. وتفتخر أجهزة الاستخبارات المختلفة بنجاحها فى منع الإرهابيين من إسقاط أى طائرة ركاب مدنية منذ ضربتهم الكبرى فى نيويورك وواشنطن قبل 14 عاما. لم يدرك النظام المصرى هذه النقطة الهامة، حيث أشار بعض مسئوليه لسقوط عدد من الطائرات حول العالم، وسألوا مستغربين: «لماذا كل هذا الضجيج حول الطائرة الروسية؟». نعم سقطت عدة طائرات خلال السنوات التالية لـ 11 سبتمبر، إلا أن أسباب سقوطها تراوحت بين أسباب فنية كعطل محرك أو خطأ بشرى كما حدث مع طائرة الخطوط الفرنسية المتجهة من البرازيل لفرنسا عام 2009 وراح ضحيته 228. وحالات أخرى تم إسقاط طائرات مدنية عن طريق قوات مسلحة نظامية أو شبه نظامية كما جرى مع الطائرة الماليزية المتجهة من أمستردام لكوالالمبور العام الماضى فوق أوكرانيا وراح ضحيتها 298 شخصا.

منذ 11 سبتمبر اتخذت كل دول العالم تدابير مشددة وقاسية لتأمين الطائرات والمطارات، من هنا إذا تبين أن الطائرة الروسية قد سقطت نتيجة عمل إرهابى، فسيتم تغيير العقيدة الأمنية للطيران المدنى حول العالم، وهذا ما يغيب عن ذهن النظام المصرى.

•••

خلال الأزمة الحالية، نجح النظام المصرى فى خسارة الرأى العام العالمى. وسهل من ذلك سابقة حادث القتل الخطأ للسياح المكسيكيين ورفقائهم المصريين فى الصحراء الغربية منذ شهرين. وساهمت هذه الحادثة فى انخفاض ثقة الجماعة الدولية فى كفاءة الأجهزة الأمنية المصرية خاصة مع عدم الوفاء بوعد النظام المصرى بإجراء «تحقيق شامل وشفاف للكشف عن ملابسات الحادث»، وحتى اليوم لم تعرف نتائج التحقيقات.

وأخطأت الحكومة المصرية فى تقديرها لأهمية ودور الاعلام العالمى خلال الأزمة. ويبدو أن القاهرة فوجئت بحجم وكثافة التغطية الاعلامية الواسعة للحادث، فقد سيطر خبر الطائرة على نشرات الشبكات العالمية الكبرى مثل «سى إن إن وبى بى سى» و«الجزيرة» و«فوكس نيوز»، وظهرت صور حطام الطائرة على الصفحات الأولى فى أهم صحف العالم مثل فايننشال تايمز ونيويورك تايمز وول ستريت جورنال. وتنافست التليفزيونات على استضافة محللين فى شئون تأمين المطارات ومكافحة الإرهاب وخبراء فى شئون سيناء. وفى واشنطن كان لأعضاء لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ نصيبا كبيرا فى الظهور على الشاشات للتعليق بما لديهم من معلومات حصلوا عليها فى جلسة مغلقة من مسئولى الـ سى أى إيه.

من ناحية أخرى، وصل لمدينة شرم الشيح، عشرات الصحفيين من مختلف أنحاء العالم لتغطية الحدث، ومن جانبها لم تقم الحكومة المصرية بتسمية متحدث رسمى ليطلع العالم والمصريين بانتظام على آخر تطورات الحدث يوميا أو عدة مرات فى اليوم الواحد. وبدلا من المبادرة بمحاولة المساهمة فى تشكيل الرأى العام العالمى، انشغل المسئولون المصريون بالرد على ما تذكره وسائل الإعلام الدولية عن الحدث. ولم تعقد الحكومة المصرية إلا مؤتمرا صحفيا لم يحسن الإعداد له بعد أسبوع كامل من سقوط الطائرة عندما ظهر الطيار أيمن المقدم، لكشف ما توصلت إليه التحقيقات. ورغم جدية أداء وردود الطيار المقدم، إلا أن الحكومة خسرت فرصة تواجد مئات الصحفيين ولم ترسل ممثلا عنها للحديث عن الشأن السياسى والسياحى والاقتصادى والاستخباراتى للحادث.

•••

آثار الأزمة هذه المرة شديدة العمق نظرا لأبعادها الدولية المختلقة، وارتباطها بقطاع حيوى للاقتصاد المصرى. واليوم وحتى لو تأكد أن انفجار الطائرة لم يكن عملا إرهابيا، وإنه نتج عن عطل محرك، فقد خسرت مصر الكثير. وعلى الحكومة المصرية العمل على تقليل الخسائر عن طريق الاستعداد للتعامل مع كل السيناريوهات التى قد يسفر عنها التحقيق بما فيها احتمال نجاح الإرهابيين فى إسقاط أول طائرة مدنية منذ 11 سبتمبر 2001.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved