مسارٌ جديد؟

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الجمعة 13 نوفمبر 2020 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب مروان المعشر، يقول فيه إنه لا فرق بين الإدارة الديمقراطية أو الجمهورية حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن أداء أى منهما سيختلف فى ثلاث قضايا رئيسية هم القضية الفلسطينية وملف حقوق الإنسان والملف الإيرانى.. جاء فيه ما يلى.

يسود اعتقاد كبير لدى شرائح واسعة من المجتمعات العربية أنه لا فرق فى رؤية ومواقف كل من بايدن وترامب حين يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية تجاه القضايا العربية. وقد ساهم الموقف الأمريكى المتحيز تجاه إسرائيل من قبل الحزبين الجمهورى والديمقراطى إلى حد كبير فى بلورة قناعة شعبية عربية مفادها أنه لا فرق «بين الخل والخردل»، وبالتالى لا يعنى الكثير للعالم العربى إن ربح بايدن أو خسر ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
بعيدا عن العواطف، هناك ثلاث قضايا رئيسية على الأقل سيختلف فيها أداء الولايات المتحدة بقدوم جو بايدن بدلا من دونالد ترامب:

أولا: القضية الفلسطينية. تعاطفت إدارة ترامب إلى أبعد الحدود مع الجماعات التبشيرية المتشددة داخل الولايات المتحدة، ولأغراض انتخابية، إضافة للعلاقة الشخصية والأيديولوجية بين جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. وقد نتج عن ذلك خطة أمريكية منحازة بالكامل لإسرائيل، دُعيت زورا بصفقة القرن، وأعطت إسرائيل ضوءا أخضر لضم مساحات واسعة بالضفة الغربية إضافة للقدس الشرقية، ما سيقتل أى إمكانية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على التراب الفلسطينى، وما سيهدد الأمن القومى الفلسطينى والهوية الوطنية الأردنية على حد سواء. صحيح أن الرئيس بايدن لن يعكس العديد من قرارات سلفه وعلى رأسها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وصحيح أيضا أن النزاع الفلسطينى الإسرائيلى لن يحظى بأولوية كبيرة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة التى ستصب جل اهتمامها على محاولة رأب الانقسام الداخلى الأمريكى، إلا أنه بالمقابل ستتخلى إدارة بايدن عن خطة ترامب، ولن تعطى إسرائيل الضوء الأخضر لضم الأراضى الفلسطينية ومخالفة القوانين الدولية التى أقرتها الولايات المتحدة نفسها. كما لن تتجاهل إدارة بايدن الدور الأردنى، كما تجاهلته الإدارة السابقة، مما سيعيد العلاقة الأردنية ــ الأمريكية أقرب لما كانت عليه قبل قدوم ترامب.
ومن ناحية أخرى، لن تُمارس إدارة بايدن الضغوط ذاتها التى مورست على دول عربية للتطبيع مع إسرائيل دون طلب أى ثمن يُذكر منها. وفى حين سعت بعض هذه الدول كالإمارات والبحرين لهذا التطبيع خدمة لأغراضها ومصالحها وبالأخص الملف الإيرانى، فإن دولة كالسودان تعرضت لضغط واضح من إدارة ترامب للتطبيع، وكان من المرجح أن تستجيب دول أخرى لهذا الضغط، ما سيقتل مبدأ الأرض مقابل السلام بالكامل.
ثانيا: ملف القيم وحقوق الإنسان. من النادر أن تُغلّب أى دولة فى العالم قيمها على مصالحها فى تعاملها مع العالم الخارجى، ولا تختلف الولايات المتحدة فى ذلك عن غيرها من الدول. ولكن وجود ترامب على سدة الحكم أعطى انطباعا أكيدا للعالم أن القيم الإنسانية وحقوق الإنسان لا تحظى بأى اهتمام لديه، وأنه تبعا لذلك شعرت العديد من الدول، ومن بينها دول عربية عديدة، أنها تستطيع التمادى فى موضوع انتهاك هذه الحقوق دون أى مساءلة من حليفتها الكبرى ــ أى الولايات المتحدة. ولا داعى لذكر الأمثلة العديدة الماثلة أمامنا فى المنطقة. وفى حين ستواصل الولايات المتحدة تغليب مصالحها على القيم الإنسانية خارجيا، إلا أن الضوء الأخضر التى افترضته العديد من دول المنطقة لتعميق سياساتها السلطوية سيخفت على الأقل.
ثالثا: الملف الإيرانى. لقد أيّدت معظم الدول الخليجية إدارة ترامب بناء على موقفها المتشدد تجاه إيران، وشعرت بأن إدارة أوباما توصلت لإتفاق نووى مع إيران على حساب التدخل الإيرانى فى المنطقة، بمعنى أن الاتفاق النووى لم يشترط وقف هذا التدخل، وأدى إلى تمادى إيران فى التدخل السياسى والعسكرى فى دول عدة فى المنطقة، بما فيها العراق ولبنان وسوريا، إضافة لدول الخليج.
إن أى سياسة أمريكية جديدة تجاه إيران يجب أن تأخذ هذه المخاوف فى الاعتبار. ولن يستطيع بايدن أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وأن يُنفذ الاتفاق النووى القديم كما كان دون أخذ مخاوف دول الخليج فى الاعتبار. كما أن الوضع الاقتصادى الإيرانى اليوم سيئ للغاية، وبخاصة بعد جائحة كورونا، ما قد يساعد فى فرض شروط جديدة على إيران للحد من تدخلها فى المنطقة.
***
لا يحظى الشرق الاوسط اليوم بأولوية كبيرة فى السياسة الخارجية الأمريكية، فالحقبة النفطية فى أفول، وهناك شعور متزايد لدى المستويات الرسمية والشعبية الأمريكية، وخصوصا بعد حرب العراق، أن التدخلات الأمريكية فى المنطقة لم تأتِ بنتائج إيجابية، وأن سياسة دعم الاستقرار من خلال الأنظمة السلطوية لم تمنع الثورات العربية فى المنطقة. كما بدأت الولايات المتحدة، ومنذ زمن، بتحويل أنظارها نحو الصين. ومن المتوقع أن يُغير بايدن السياسة المتشددة لترامب تجاه الصين، وذلك نحو سياسة تُواصل النظر إلى هذا البلد كمنافس اقتصادى وأيديولوجى، لكن دون اللجوء للمواجهة المباشرة والعدائية، كما فعلت الإدارة الحالية، سيما فى ظل العلاقات الجيدة لبكين مع بعض القوى فى المنطقة باستثناء روسيا. وسينعكس ذلك على النشاط الاقتصادى والتنموى المتزايد للصين فى المنطقة إذ لن يُواجه بالشكوك ذاتها للإدارة السابقة حول الأهداف الحقيقية لبكين. فى المقابل، ستُحاول الصين تحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية ومواقفها السياسية من بعض قضايا المنطقة، وذلك تحسبا لاستعداء الولايات المتحدة.

لكن انحسار الاهتمام الأمريكى بالمنطقة لا يعنى عدم الاكتراث بنتائج الانتخابات الأمريكية، أو النظر إلى السياسة الخارجية لواشنطن فى المنطقة وكأنها لا تتأثر إطلاقا بمن يفوز من الحزبين. صحيح أن فوز بايدن قد لا يُؤثر إيجابيا على المنطقة، ولكن ذهاب ترامب سيأخذ معه ضوء أخضر كان سيسمح لإسرائيل بابتلاع الأراضى الفلسطينية بغطاء أمريكى، كما كان سيسمح للعديد من دول المنطقة التمادى بانتهاك قيم إنسانية عديدة، وبغطاء أمريكى أيضا.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved