المهمة الكبرى لمهرجان البحر الأحمر السينمائى

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: السبت 13 نوفمبر 2021 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

وضع مهرجان البحر الأحمرالسينمائى هدفا واضحا، وهو يؤسس لدورته الافتتاحية التى تعكس الفكر السعودى لمشاهدها السياسى والاجتماعى الجديد، فبقدر الانفتاح على سينما العالم المعاصر الذى يعكسه برنامج أفلام المهرجان، الذى وضعه فريق المبرمجين المحترفين، بقدر تمهيد الطريق لانطلاق السينما المحلية وأجيالها الجديدة التى يبدو أنها ستكون لها مكانتها فى قادم الأيام.
قبل 5 سنوات كتبت عن بزوغ ثورة سينمائية سعودية جديدة، عندما شاهدت فى مهرجان «برلين السينمائى مجموعة من التجارب كان منها فيلم «بركة يقابل بركة».. وقلت إنه يعد بمثابة القنبلة التى تفجر أعراف وسياسات يعيشها المواطن السعودى كأمر واقع، فهو يمهد بحق لثورة قادمة فى المملكة، ليست فقط سينمائية، بكسره كل التابوهات، وقد كشف العمل بأدواته الدوافع والأسباب التى تجعل التمرد على عادات وتقاليد ومقدرات وسياسات بات امرا حتميا، وكذلك فيلم «المرشحة المثالية» للمخرجة هيفاء المنصور الذى يكرمها المهرجان هذا العام واستقبلها جمهور فينيسيا بحفاوة كبيرة وتحدى النظرة النمطية للمرأة السعودية.
أدرك «البحر الاحمر السينمائى» أن مهمته الأولى منح الفرصة الكبرى لانطلاق الأصوات الجديدة من مخرجى ومخرجات السينما السعودية الجديدة، وأراد أن يرى العالم المشهد المحلى الجديد، والذى يعكس تغيرا كبيرا فى المجتمع السعودى نفسه ونظرته للفن ومستقبل ايامه، وهى مهمة عظيمة ونبيلة فى هدفها، وازعم ان العالم سيرى تغيرا جزئيا فى فكر المخرجين الجدد نساء ورجال، كما ستطوف الأفلام من خلال برناج «سينما الحارة» مختلف أحياء مدينة جدة، ليغزى مفعول الثقافة السينمائية لدى المواطنين.
ومن المنتظر أن يقدم البرنامج باقة من العروض العالمية الأولى لنخبة من المواهب الواعدة والجيل الجديد من الأصوات السعودية التى ترسم ملامح المشهد السينمائى والثقافى فى المملكة، وسيلى كل عرض جلسة حوارية مع مخرج العمل أو المشاركين فيه، لتعريف الجمهور بالمواهب، والاحتفاء بهذه الإبداعات السينمائية.
لفت نظرى وجود عدد من المشاريع السينمائية «اجتماعية» تناقش قضايا الواقع، لعل أبرزها فيلم «بلوغ»، إخراج «سارة مسفر، وجواهر العامرى، ونور الأمير، وهند الفهاد، وفاطمة البنوى الذى يقدمون مشروعهم بفيلم «بلوغ»، والذى يروى خمس قصص تناقش عادات عميقة فى المجتمع السعودى.
تجربة فيلم «قوارير» أيضا تعرض خمس قصص لخمس مخرجات سعوديات هنَ «رغيد النهدى، ونوره المولد، ورُبى خفاجى، وفاطمة الحازمى ونور الأمير»، تتنوع مواضيعه بين الهجر والإهمال والتحكم والإساءة والعار فى مجتمع محافظ، وتقدم كل مخرجة صورة لواقعٍ قاسٍ، تخاطر فيه المرأة بكل ما لديها لإثبات مكانتها.
تلك التجربة تعرض بجانب نماذج أخرى لتعكس قضايا مجتمعاتنا فى إطار برنامج «روائع عربية» واتذكر منها فيلم «استعادة» الذى يروى من خلاله المخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى قصة شخصية يحاول من خلالها إعادة صوت الحياة اليومية إلى صور تاريخية لمدينة يافا، فى تجربة سينمائية لاستعادة الذاكرة وتحديث العلاقة مع المكان والزمان والحدث، فى مدينة عاش فيها والده قبل أن يُهجر منها عام 1948.
وكذلك تجربة فيلم «خذونى إلى السينما»، وهو فيلم وثائقى من إخراج الباقر جعفر، ويروى قصة جندى هرب من الحرب فى العراق واحتمى بالسينما. يسلط الفيلم الضوء على التغيرات التى طرأت على بغداد فيما يتتبع سينما العراق التى دمرتها الحرب.
الباقر جعفر، قال عن فيلمه إنه «حلم كان لدى جندى عراقى خلال الحرب العراقية الإيرانية، وهى قصة لكاتب روائى رأيتُ أنها تتطابق مع حلمى عندما كنت صغيرا، حيث كبرت ولم أر السينما فى طفولتى، واكتشفت أنى لا أريد أن أخسر حلمى».
وهنا أتوقف أمام شهادة أنطوان خليفة مدير البرنامج العربى والأفلام الكلاسيكية فى المهرجان، والتى قال فيها إن القصص التى ترويها تلك الأفلام تعكس تنوع مجتمعاتنا، والتغيرات التى طرأت على المنطقة حيث استطاع مخرجو الأفلام إعادة تشكيل ذكرياتنا ورؤانا، بل وهويتنا العربية، فى محاولة للبحث عن جوانب دقيقة ومعينة، وصياغتها بمفهوم جديد ومبتكر. كما استطاعت هذه الأعمال تقديم صوت المرأة وإعادة النظر بدورها فى المجتمع سواء من وجهة نظرها كشخصية رئيسية فى القصة، أو بدورها وراء الكاميرا.
المتغير السينمائى فى السعودية دليل على حراك سينمائى ملفت يشاهده العالم وقطعا سيمنح المواطن شعورا رائعا بالحرية.. وهو ما يعد بمثابة انقلاب فى خريطة فكر وطن ومواطن مرتبط بتغيرات جوهرية وملحمية تحيط بالنهضة الجديدة فى المملكة، لتنبأ ببداية جديدة ستساهم فى تغيير وتحديث خريطة السينما فى المنطقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved