انتصارات الحزب الوطنى السهلة واللعب بمسقبل مصر

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 13 ديسمبر 2010 - 12:36 م بتوقيت القاهرة

 طبعا يهنئ قادة الحزب الوطنى أنفسهم بهذا النصر المبين الذى أحرزوه فى انتخابات مجلس الشعب، ويتجاهلون أو يحاولون أن يخدعوا من يتصورون أنه لا يعرف بالأساليب التى اتبعوها فى الوصول إلى هذه النتيجة بالتأسف على ما يقولون إنه ضعف أحزاب المعارضة وانكشاف الإخوان المسلمين أمام المواطنين، مدعين كما كتب واحد من كبار منظريهم بأن المسألة كانت مفاجأة للحزب الوطنى، وعليه، أى الحزب الوطنى، كما يقول هذا المثقف ذو الماضى الليبرالى أن يسعى لتلافى الأسباب التى أدت إلى هذا الضعف البالغ لأحزاب المعارضة. فلنترك قيادات الحزب الوطنى، وخصوصا فى أمانة التنظيم، ومعها قيادات أجهزة الدولة صانعة هذا النصر العظيم تهنأ بما صنعت أياديهم، فهؤلاء لا يرون أبعد من اللحظة الراهنة، ولنتأمل نحن آثار هذه المهزلة على مستقبل الوطن.

والواقع أنه ليس هناك ما هو أصدق فى وصف ما فعله أمين التنظيم فى الحزب الوطنى، والذى أشرف بنفسه على إخراج هذه المسرحية بالتعاون مع قيادات الأمن سوى أنه لعب بالنار فى مستقبل هذا الوطن، فضحايا هذه الاستهانة بمستقبل الوطن تبدأ بانهيار حكم القانون، وتمر بتلاشى فرص بناء أحزاب سياسية قوية، وابتعاد الأمل فى ادماج تيار الإخوان المسلمين فى إطار عملية سياسية تتمتع بالشرعية، وتنتهى بتبديد أى احتمال للتطور السياسى السلمى فى مصر.

الاستهانة بحكم القانون
لم يعرف تاريخ مصر الحديث ممارسات تستهين بحكم القانون مثلما عرفت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة. وخطورة هذه المسألة أنه ليس هناك أمل فى أن يكتسب نظام الحكم فى مصر بقية أساس لشرعيته سوى أن يلتزم بحكم القانون.

ولكننا رأينا فى الانتخابات الأخيرة استهانة سهلة بأحكام قضائية واجبة النفاذ وبأعذار لا يقبلها طلبة السنة الأولى فى كلية الحقوق، أو أى عارف بمدى إلزامية أحكام المحاكم. تقرر محاكم القضاء الإدارى أحقية مواطنين، وكثيرون منهم من أعضاء الحزب الحاكم فى الترشح، ومع ذلك ترفض وزارة الداخلية قبول أوراقهم، فيعودون للمحاكم ذاتها فتصدر أحكاما واجبة النفاذ بحقهم، فتذهب وزارة الداخلية للاستشكال أمام محاكم الأمور المستعجلة التى لا علاقة لها بمنازعات مع أجهزة الإدارة، وتقبل اللجنة العليا للانتخابات هذه الحجة على الرغم من أن من يرأسونها ويتحدثون باسمها هم من القضاة الذين يعرفون بكل تأكيد خطأ هذه الحجة لوقف تنفيذ الأحكام، وعندما يعود هؤلاء الراغبون فى الترشيح إلى محاكم القضاء الإدارى فإنها تأمر بوقف الانتخابات فى الدوائر التى يريدون الترشح فيها، فتجرى وزارة الداخلية الانتخابات فى هذه الدوائر، وعندما تقرر المحكمة الإدارية العليا بطلان هذه الانتخابات، يعترف مجلس الشعب بصحتها ويمنح عضويته لهؤلاء الذين فازوا فى انتخابات أعلن بطلانها. طبعا الخطر الواضح هنا أن هؤلاء الذين صدرت أحكام لصالحهم سوف يعودون إلى مجلس الدولة ليطالبوا بحل مجلس الشعب، ولكن حتى لو ماطل مجلس الشعب فى قبول هذا الحكم، فإن الخطر الأكبر هنا هو أن القناة الوحيدة التى سمحت بقدر من الإصلاح السياسى فى مصر، من زيادة عدد الأحزاب السياسية.

وعودة مجلس نقابة المحامين المنتخب بعد حل الرئيس السادات له، وإسقاط قرارات الحرمان من الحقوق السياسية، والإشراف القضائى المباشر على الانتخابات هى قرارات الهيئات القضائية وفى مقدمتها مفوضو مجلس الدولة ومحكمة النقض والمحكمة الدستورية. هكذا فإن الاستهانة بأحكام القضاء تعنى إغلاق الباب الوحيد للإصلاح السياسى فى مصر، طالما أننا لا نتوقع أن تقدم قيادات الحزب الوطنى الحاكم على إصلاح سياسى من أى نوع.

ضعف الأحزاب السياسية وتضاؤل فرص التعددية الحزبية الفعالة
ويتأسى كتاب الحزب الوطنى من النتيجة التى أظهرت نتائج الانتخابات حصول أحزاب المعارضة التى دخلت الانتخابات عليها، ويبدون أسفهم أن هذه الأحزاب فقدت مصداقيتها لدى المواطنين، ولاشك فى ضعف الأحزاب السياسية فى مصر، كل الأحزاب السياسية بما فى ذلك الحزب الوطنى الديمقراطى، الذى كشفت كل الانتخابات السابقة برغم تأييد أجهزة الدولة له عن تراجع حصته بانتظام من أصوات المواطنين، ولكن من هو المسئول عن ضعف الأحزاب السياسية ذات التوجه السياسى الواضح نسبيا أو ذات الماضى السياسى البارز؟ أليس هو الحزب الوطنى الحاكم نفسه الذى يحيطها بأشد القيود، ولا يسمح بانتخابات نزيهة؟ ولماذا يعطى المواطن صوته لأحزاب يعلم جيدا أنها لن تصل إلى السلطة، ولن تتمكن من التأثير على صنع السياسات العامة، بل إنه لا يسمح لها بأن يكون لها وجود مؤثر حتى على مستوى المجالس المحلية. نتائج الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب.

والتى شاءت قيادات الحزب الوطنى أن تظهر بها الأحزاب السياسية على هذه الدرجة من الهزال توصد الباب أمام استعادة هذه الأحزاب لأى قدر من ثقة المواطنين بقدرتها على أن يكون لها أى تأثير، وتحبط بنفس القدر أى أمل فى نهوض تعددية حزبية حقيقية فى مصر.


اندماج التيار الإسلامى فى إطار عملية سياسية تتمتع بالشرعية
كل من يعرف ألف باء السياسة يدرك أن الشعوب العربية والإسلامية تشهد قفزة هائلة فى تأييد المواطنين لأحزاب وجماعات سياسية ترفع راية الإسلام السياسى. وقد كانت مصر تحديدا سباقة فى هذا المجال بظهور حركة الإخوان المسلمين التى توصف بحق بأنها الحركة الأم لأغلب التنظيمات الإسلامية. وقد ضاقت كل نظم الحكم التى تتابعت على مصر منذ أواخر عشرينيات القرن الماضى بها، وحاولت كلها بلا استثناء حظر حركة الإخوان المسلمين، وخرج الإخوان المسلمين من كل هذه التجارب أكثر قوة. ولم تكن كل تيارات الإخوان المسلمين ولا كل تيارات الإسلام السياسى تلتزم بالعمل السياسى السلمى.

كما ظهر ذلك واضحا فى الأربعينيات، ومرة أخرى فى العقدين الأخيرين من القرن الماضى، ولكن، ولحسن حظ مصر، التزم الإخوان المسلمين منذ باشروا العمل البرلمانى فى سنة 1984 بالأساليب السلمية، ونأوا بذلك عن النضال المسلح الذى لجأت إليه حركات أخرى ترفع راية الإسلام مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وتنظيمات أخرى انشقت عنها، بل وهاجمت تلك الحركات الإخوان المسلمين لانخراطهم فى العمل السياسى السلمى، ومع أن نظام الحكم فى مصر لا يتمتع لا بالشعبية ولا بالشرعية التى تمتع بها نظام عبدالناصر مثلا والذى أخفق بدوره فى القضاء على حركة الإخوان المسلمين، إلا أن عباقرة أمانة التنظيم ولجنة السياسات مستمرون فى توهمهم إمكان استئصال الإخوان المسلمين، ويتجاهلون ما يراه كثيرون مثل كاتب هذه السطور ممن لا يشاركون الإخوان المسلمين رؤيتهم للمساواة بين المواطنين أو دور الدين فى الحياة السياسية، من أن السبيل الوحيد لكى تتجنب مصر ما عرفته الجزائر أو تعرفه باكستان هو أن يصبح الإخوان المسلمين طرفا معترفا به فى الحياة السياسية، لهم ما للأحزاب الأخرى من حقوق، وعليهـــم ما علـــــى هــــــذه الأحزاب الأخرى من التزامات.

تجاهل هذا الدرس المهم من جانب عباقرة الحزب الوطنى السعداء بتوهمهم أنهم يقضون على حركة الإخوان المسلمين هو رسالة واضحة للشباب المؤمن بأفكار الإخوان المسلمين أنه لا مكان لهم فى عملية سياسية سلمية، ومن ثم لا يبقى لهم سوى أن يحملوا السلاح ضد الدولة وضد المجتمع.

تلاشى فرص التطور السياسى السلمى فى مصر

وأخيرا هناك كثيرون فى هذا الوطن لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الأخيرة ومنهم كاتب هذه السطور، ليس لأنهم عازفون عن المشاركة السياسية الفعالة، فهم يشاركون عندما تكون المشاركة جادة وفعالة وتتسم بالشفافية والمصداقية، وهم يتطلعون إلى نقلة ديمقراطية حقيقية يستحقها الشعب المصرى، فهو لا يفتقد الأهلية للتمتع بانتخابات نظيفة كتلك التى تشهدها الهند أو البرازيل أو الأرجنتين أو جنوب إفريقيــــــــا، ولكنهم لا يرون أى مصداقيــــة لحديث قيـــادات الحزب الحاكم عن الإصلاح السياسى.. والانتخابات الأخيرة وقد أكدت عزم الحزب الحاكم علـــى الاستئثار بقرابة 97% من مقاعد مجلس الشعب قضت على ما تبقى من أمل لدى هؤلاء أن يتم هذا الإصلاح تدريجيا وبطريقة سلمية من خلال انتخابات نزيهة نسبيا، قد لا تؤدى بالضرورة إلى سقوط هذا الحزب، ولكن أن يؤدى وجود معارضة قوية إلى اقتناع قياداته بضرورة الإصلاح الديمقراطى والذى قد يستفيد هو منه باستعادة قدر من الشعبية. هل بقيت فرص للإصلاح السياسى فى هذه الظروف؟ هل هى من خلال العمل السرى، والتآمر، واللجوء إلى الإرهاب، أو الدعوة إلى الثورة، أو مناشدة القوات المسلحة التدخل لإنقاذ البلاد.

هل تأمل عباقرة الحزب الوطنى نتائج ما اقترفوه فى حق مستقبل هذا الوطن بما أخرجوه من مسرحية فاشلة فى الانتخابات الأخيرة. وهل من سبيل لتجنب كل هذه الأخطار. دعونا نفكر فى كيف يمكن تحقيق ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved