مائة عام من الحياة

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 13 ديسمبر 2011 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

المكان: القاهرة عاصمة العواصم والمدن

 

الزمان: ديسمبر 2011

 

الحدث: احتفاء متجدد بمئوية نجيب محفوظ

 

نجيب محفوظ هو الذى حفر المكان كما هو.. رسمه بريشة فنان قادر على أن يوصل الصورة كما هى للمكان والزمان والشخوص.. ينقش نجيب محفوظ شخوصة وتفاصيلهم الخارجية والداخلية حتى تحولت إلى اشخاص حية تعيش بيننا ليس فقط فى القاهرة بل فى أزقة المدن الكبيرة والصغيرة منها فى شرقه وغربه وشمالة وجنوبه... هناك السى سيد فى كل أزقة المدن وبتفاصيل كل البيوت العربية منها والاجنبية... هو الذى منح الحياة فجأة للحى والقهوة الشعبية حيث كان يجلس متكأ على اريكته وخلف نظاراته يراقب فى هدوء كم من البشر يمارسون حياة تبدو عادية جدا وكانت عبقريته هو فى ان يعيد هؤلاء البشر فى شكل اشخاص كاملين فى رواياته.

 

مائة عام وهو حى كأنه ولد بالامس.. نحتفل بمئويته ولا يزال البعض يملك تلك الدرجة من الجهل لينبش بين أدبه يبحث فى الكسرات والضمات وبين الحرف والحرف والكلمة والاخرى بمجهر الجهل عن ما يصوره لهم عقلهم بالفجور والفسق!!!! محفوظ الحى بعد مائة عام سيبقى حتما هكذا تحتفى به مدن النور !!! وتعيد قراءته مرارا وتكرارا هو الذى شكل وعينا المبكر جدا ليس بالقاهرة والحسين والسيدة زينب وانما ايضا زيادة معرفتنا بمن نحن.. فى تحليله الدقيق لشخصياته شىء من علم النفس وفى وصفة الدقيق للاحياء ومجتمعاتها شىء من علم الاجتماع والانسان.. فعندما شرح المجتمع المصرى وخاصة فى المناطق الشعبية كان فى ذلك يعرينا جميعا، يفضح تفاصيل الداخل المخفى وهو ليس فى مجمله بعيد عن النظر لاسباب خاصة بل لكثرة ما وضعته المجتمعات من «تابوهات» وخطوط حمراء!

 

أذكر فى سنين المراهقة الاولى وكنت ابحث فوق ارفف المكتبة العامة بالمنامة (ربما كانت المكتبة الوحيدة فى تلك الجزيرة) او بين مكتبة خاصة لاحد الاقارب ان وقفت أمام الثلاثية استعرتها وطلبت منحى بعض الوقت لقراءة ثلاثة كتب كما كنت اراهم بعينى المراهقة الصغيرة.. لم تكن سوى ايام معدودة وعدت بها إلى مكانها متوسطة مجموعة اخرى من روايات نجيب محفوظ فى تلك المساحة الواسعة التى خصصت له فى صدارة المكتبة.... كان من الصعب الوقوف عن قراءة تلك الثلاثية لكثافة المتعة وعمق الشخصيات وربما لانها فتحت بابا واسعا للمعرفة المنقوعة فى رحيق المتعة.. متعة القراءة الجميلة.. بعد ذلك بسنين لازلت أخبئ الثلاثية فى حقيبتى التى شكلت منزلى المتنقل منذ أكثر من عشرين عاما عندما رحلت او اجبرت على الرحيل عن مدن الملح!!!

 

نجيب محفوظ لم يعيد تشكيل الادب العربى والعالمى بل ان رواياته شكلت هى الاخرى مادة خصبة للسينما المصرية حيث حولت الكثير من رواياته إلى أفلام حازت على العديد من الجوائز وفيما يتذكر الكثيرون نوبل محفوظ يبقى لمحفوظ الكثير من الجوائز الاكثر أهمية وربما أهمها تلك المساحة التى يعيشها بداخل الكثيرين منا.. هو الذى يبدو حاضر دائما فى حياته وغيابه.

 

نجيب محفوظ بعد مائة عام من الحياة يجدد الحياة لرواياته ليس للثلاثية الاكثر شهرة ربما ولكن لها أجمعها لـ«أحلام القرية» و«الحرافيش» و«رحلة ابن فطومة» و«خان الخليلى» و«اللص والكلاب» و«زقاق المدق» وتلك الأخرى التى أثارت الكثير من الجدل بعد سنين مرت عليها وهى «أولاد حارتنا» التى لم تنشر فى مصر الا فى العام 2006 رغم أنها صدرت فى العام 1962.

 

نجيب محفوظ بعد مائة عام لايزال ينعم بالحياة بيننا فى روايات لم تمت أبدا بل على العكس من ذلك هى تجدد الجدل حولها مرارا وتكرارا مرة بذريعة الدفاع عن الاخلاق او الدين او السياسة او الدولة! وجميعها ترحل ويبقى هو وأدبه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved