حدود خسارة أوباما طرفى الصراع فى مصر

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 13 ديسمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

بداية لابد من الاعتراف بوجود صراع بين فريقين على السلطة والنفوذ فى مصر. فبعد مرور سبعة أشهر كاملة على إزاحة الجيش المصرى للرئيس محمد مرسى، ومع اقتراب مرور ثلاث سنوات على اسقاط الرئيس حسنى مبارك، لا تزال ثنائية القوى السياسية الفاعلة فى مصر على حالها بدون تغيير حقيقى بين الجيش وجماعة الإخوان. ومن هنا كانت كلمات الأستاذ حسنين هيكل خلال زيارته الأخيرة للعاصمة اللبنانية دقيقة وإن جاءت صادمة للبعض، إذ قال بوضوح إن «الأحزاب المدنية غير قادرة على طرح نفسها كبديل» وأنها باختصار «أحزاب بلا جماهير».

وفى واشنطن لا ينتهى الحديث مع أى مسئول أمريكى دون تناول معضلة استمرار معادلة ثنائية القوى السياسية الفاعلة فى مصر واقتصارها على جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها من ناحية، وبين الجهاز الأمنى الذى يضم تحت جناحه الجيش ووزارة الداخلية والأجهزة المخابراتية من ناحية أخرى. ويزعج واشنطن ما يبدو أنه خسارة الرئيس الأمريكى للطرفين (حتى ولو كانت خسارة مؤقتة)، فى الوقت الذى تنعدم فيه أمال صعود تيار سياسى ثالث قد يكون لواشنطن حظوظ معه.

•••

أدت المواقف الأمريكية منذ الثالث من يوليو الماضى إلى إغضاب طرفى الصراع فى مصر، فهى لم تصف رسميا ما حدث ذلك اليوم بالانقلاب العسكرى، ولم ترها ثورة شعبية من حقها تغيير رئيس الدولة المنتخب بعد نزول ملايين المصريين للشوارع. ومازال تخبط الإدارة الأمريكية يثير الكثير من التساؤل عن سر رغبة إدارة أوباما فى الوقوف فى منطقة الحياد بين الطرفين، وهو ما أدى لإغضابهما معا. قالت مستشارة الأمن القومى الأمريكى سوزان رايس الأسبوع الماضى إن واشنطن اضطرت إلى تغيير طريقة تعاملها مع الحكومة الانتقالية فى مصر عقب استخدامها العنف على نطاق واسع ضد المدنيين وحملة الاعتقالات ضد قيادات المعارضة. وأوضحت رايس أن «حجب بعض المساعدات العسكرية عن مصر يأتى لتشجيع المسئولين على إحراز تقدم نحو إصلاحات ديمقراطية».

وقبل ذلك بأسابيع وصف الدكتور عمرو دراج، القيادى بحزب الحرية والعدالة الجناح السياسى لجماعة الإخوان المسلمين، تصريحات جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى أثناء زيارته لمصر أنها «لا تدع مجالا للشك، وتؤكد أن أمريكا تدعم الانقلاب منذ اللحظة الأولى وتؤيد مسارات تتناقض مع الحقوق الإنسانية والقيم الأمريكية».

وخلال مقابلة له مع صحيفة واشنطن بوست فى أغسطس الماضى، اتهم الفريق السيسى أوباما بتجاهل إرادة الشعب المصرى. وقال السيسى إن الولايات المتحدة «تركت المصريين وحدهم» فى الأزمة وإنها «أدارت ظهرها للمصريين»، مضيفا أن «المصريين لن ينسوا ذلك لأمريكا»، وتساءل: هل ستواصل الولايات المتحدة إدارة ظهرها للمصريين».

وهكذا تجد الإدارة الأمريكية نفسها فى ورطة لا تحسد عليها، وساعد على هذه الورطة ما آلت إليه الأوضاع الداخلية فى مصر من حدوث أعمال عنف، وتبنى الدولة حربا على الارهاب، وبروز دعوات الإقصاء السياسى للتيار الأقوى والأكثر تنظيما فى البلاد، ناهيك عن صدور عدة قوانين سيئة السمعة تضيق على عدد من الحريات.

•••

إلا أن من المهم ذكر أن للغضب المصرى من الإدارة الأمريكية حدودا واضحة، وتدهور علاقات القوى السياسية المصرية بالإدارة الأمريكية ليس هدفا يسعى إليه أى منها. فالجيش المصرى تجمعه علاقات خاصة بالمؤسسة العسكرية الأمريكية خلال العقود الثلاثة الأخيرة ومنذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وكان من نتائجها حصول مصر على مساعدات يقترب مجموعها من 80 مليار دولار. كما يقدر صناع القرار فى واشنطن وصول الرجل الأول الفريق السيسى، والرجل الثانى الفريق صدقى لرأس المؤسسة العسكرية المصرية، وكلاهما نال درجات علمية من أكاديميات عسكرية أمريكية، وكلاهما يعرف جيدا ويفهم العقيدة العسكرية الأمريكية. كذلك تعقد برامج مشتريات السلاح الأمريكى وما يترتب عليها من برامج تدريب لآلاف من العسكريين المصريين، إضافة لبرامج الصيانة والاحلال والتجديد، من عمق هذه العلاقات فى الوقت الذى تعدت نسبة السلاح الأمريكى 55% من العتاد العسكرى المصرى.

كذلك يعد ارتباط النخبة الاقتصادية المصرية بالولايات المتحدة عاملا مساعدا يحافظ على حياة هذه العلاقات. فئة رجال الأعمال ممن استفادوا ولا يزالون من سياسات سمحت لهم بالتعامل مع السوق الأمريكية سواء كمصدرين مثل الكويز، أو كمستوردين يخدمون مصالح مهمة مثل منتجى القمح الأمريكى، لهم مصالح مستقرة، ويمثلون «لوبى» قويا ضد أى تدهور فى العلاقات بين الدولتين. وتعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجارى لمصر ووصل حجم الواردات الأمريكية العام الماضى 5.5 مليار دولار فى حين وصلت صادرات مصر إلى 3 مليارات دولار. وخلال أول عشرة أشهر من هذا العام وصل إجمالى الصادرات المصرية إلى 1.4 مليار دولار، فى حين وصلت الواردات من أمريكا إلى 4.4 مليار دولار.

أما جماعة الإخوان فتدرك جيدا أن الطرف الوحيد الذى له القدرة على الضغط إن أراد على الجيش المصرى فهو البيت الأبيض. لذا لا تبخل الجماعة بمحاولات التأثير على دوائر صنع القرار والتأثير فى واشنطن من خلال المشاركة فى ندوات أو مؤتمرات عن مصر بعضها علنى وبعضها ليس كذلك، كما تعرض وجهة نظرها من خلال التواصل مع بعض وسائل الإعلام الأمريكية.

•••

ورغم مطلب الرئيس الأمريكى باراك أوباما بضرورة مراجعة علاقات بلاده مع مصر بصورة شاملة بعد فض اعتصامات ميدانى رابعة والنهضة ومقتل المئات من أنصار محمد مرسى، وقوله إن العلاقات مع مصر «لن تعود على ما كانت عليه بسبب ما حدث». إلا أن وزير خارجيته قد أعاد العلاقات إلى ما كانت عليه خلال زيارته للقاهرة الشهر الماضى. بدعمه لما يراه خطوات الحكومة المؤقتة لإعادة الديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved