المؤامرة وحدها لا تفسر لغز داعش

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 13 ديسمبر 2015 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

هناك فعلا دور خارجى فى تشجيع نشأة وتمدد تنظيم داعش الإرهابى بما يجعله أقرب إلى مؤامرة مكتملة الأركان. لكن المؤامرة الحقيقية هى الأسباب الداخلية فى غالبية البلدان العربية التى جعلت داعش يتمدد بهذا الشكل السرطانى.
إذا كان الغزو الأمريكى للعراق وحل الجيش العراقى فى ٢٠٠٣ هما السبب الرئيسى فى نشأة داعش بالعراق، فما السبب الذى يجعل هذا التنظيم يتمدد فى كل المنطقة ويصل إلى وسط إفريقيا؟!.
أمريكا أجرمت بغزوها العراق، وأجرمت أكثر حينما أعطت إشارات متناقضة بأنها تقود تحالفا دوليا لمحاربته منذ سبتمبر ٢٠١٤، ولم تحقق شيئا، لكن المنطق يقول أيضا إن العامل الخارجى ليس هو الوحيد المفسر لظهور داعش وتمدده.
من السهل أن نتهم أطرافا إقليمية ودولية بتشجيع داعش وهو اتهام صحيح إلى حد كبير، لكن هناك أيضا أسباب تخصنا نحن، كانت سببا أساسيا لنشأة مثل هذه التنظيمات.
أمريكا ومعها بعض دول الخليج ومصر السادات، دعمت ما سمى بالمجاهدين فى أفغانستان عام ١٩٧٩ لمحاربة واستنزاف الاتحاد السوفييتى، لكن الاستبداد والتخلف والفساد والفقر وغياب العدالة الاجتماعية، هى الحاضنة التى نشأ فيها التطرف جنينا حتى تعملق وتوحش الآن.
لولا استبداد صدام حسين ــ رغم كل نواياه ــ ما تجرأت أمريكا على غزو العراق، ولولا استبداد نورى المالكى وتفضيله مصالح بعض طائفته الشيعية الضيقة، ومعها مصالح إيران، ما وجدت داعش أى حاضنة شعبية فى غرب العراق.
ولولا استبداد أسرة الأسد ــ رغم كل شعاراتها القومية ــ ما كنا وصلنا إلى مرحلة الحرب الأهلية الآن وتحويل سوريا إلى ما يشبه ساحة للحرب العالمية الثالثة.
ولولا بلادة وترهل وفساد نظام حسنى بمارك، ما وصل حال مصر إلى الصورة التى تركها عليها فى ١١ فبراير ٢٠١١، جهل وتخلف ومرض وتعليم منهار وصحة متداعية وخدمات فى أسوأ حال، والأخطر أنه حاصر الحياة السياسية ودجنها ثم أماتها فى حين قام بتربية ودعم المتطرفين عمليا ما مكنهم من سرقة المجتمع فى غمضة عين واستطاعوا السيطرة على غالبية مناحى الحياة.
لولا استبداد زين العابدين بن على، ما كان هناك مكان لأنصار الشريعة الوجه التونسى للقاعدة وداعش.
ولولا جنون معمر القذافى وعبثيته ما وصلت ليبيا إلى هذه الحالة الكارثية التى لا يعلم إلا الله كيف تعود بعض «ملامح الدولة الأولية» إليها.
ولولا تمسك على عبدالله صالح بكرسى الحكم ما وصل اليمن إلى المستوى الذى وصل إليه الآن من حرب أهلية مدمرة ستقضى على مقومات الحياة البسيطة فى البلاد.
ولولا استبداد عمر البشير ومحاصرته للقوى السياسية تحت اسم الدين، ما انقسم السودان إلى شمال وجنوب، وما حدث التمرد فى دارفور ومناطق أخرى مثل كردفان.
ولولا سوء توزيع الثروة والأفكار المشجعة للإرهاب، والانتهاك المنظم لحقوق الإنسان فى الخليج ما صارت هذه المنطقة معملا لتفريخ الإرهابيين والمتطرفين.
تقريبا لا توجد منطقة عربية أفلتت من هذا المصير المأساوى ومرض الاستبداد المزمن إلا ما ندر، وبالتالى فإن هذا الواقع المر والأليم هو التربة الخصبة التى نشأ فيها داعش وأمثاله من تنظيمات متطرفة جدا، أو «نص نص» أو تدعى الاعتدال وتنتظر الفرصة!!.
الذين تآمروا ويتآمرون على الأمة العربية، ما كان لهم أن ينجحوا لولا تآمرنا على أنفسنا أولا. لو أن أى شاب وجد عملا شريفا وحدا أدنى من حرية التعبير وأنظمة سياسية حقيقية، فما الذى سيدفعه إلى الانضمام إلى داعش أو غيرها من التنظيمات المتطرفة أو الإرهابية؟!.
لو أن التنظيمات الإسلامية التى تقول عن نفسها إنها معتدلة كانت جادة وأقنعت الشباب بأنها تمثل الإسلام فعلا، ما كانوا قد انضموا إلى داعش؟!
الأجانب تآمروا علينا حينما تآمرنا على أنفسنا فقط، وكما يقولون فإن «الذئب لا يأكل من الغنم إلا الشاردة».
علينا أن نلوم وندين المؤامرة الخارجية كثيرا، لكن إذا كنا جادين فعلينا أن نلوم أنفسنا أولا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved