الحادث «فيس بوك»

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 13 ديسمبر 2016 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

فى حادث تفجير الكنيسة البطرسية ظهر الفارق بين «الإعلام» و«الإعلام الجديد».
الإعلام التقليدى صحف، تليفزيون، تضاف إليهم فضائيات، دارت حول عدد من العبارات المستنسخة: العمل الإرهابى الجبان، تحويل الإرهابيين إلى محاكم عسكرية، تعديل قانون الإجراءات الجنائية، تسريع المحاكمات، القصاص، إلخ. وجرى تكثيف الضوء على الإجراءات التى تقوم بها مؤسسات الدولة من وزارة الداخلية من رفع حالة الاستعداد، والنيابة تطلب سرعة التحقيق وطلب التحريات وجمع الأدلة، ومؤسسات الدولة تباعا تشجب وتدين الحادث الآثم، وتؤكد أنه ليس من الدين فى شىء، وتقدم العزاء لأسر الضحايا... هذه جميعا من العناوين المهمة، لكن فى بعضها تكرار رأيناه فى أحداث مماثلة فى السابق، وفى جميعها ابتعاد عن جوهر الحادث ذاته أى أسر الشهداء، الذين فقدوا ذويهم، وتعتصرهم مشاعر الفراق والحزن.
عالم «الفيس بوك» يصور تفاعلات إنسانية، وردود أفعال تلقائية، وتدفق فى الأحاسيس الهادئ منها والغاضب كذلك.. العروسة التى لم تبرح فستان الفرح، ودعت الحياة إلى الفرح السمائى.. الشخص الجميل الذى دخل الكنيسة بأسرته، ففقد زوجته وابنته، ووقف مذهولا، زوجة الكاهن الذى رحل منذ أسابيع، وها هى تلحق به، الطبيبة الشابة الجميلة المرحة، التى تخدم الناس فى الكنيسة، وقفت يوما فى إحدى رحلاتها إلى الأديرة أمام صخرة منحوت عليها دعوة للناس إلى التمسك بالحياة الأبدية، وها هى تلبى النداء، والرجل الجميل حارس الكنيسة المجامل، المحب، الذى يسلم على الجميع، ويخدم الجميع، رحل أيضا وسط أحزان المحبين. عالم «الفيس بوك» نقل مشاعر الناس، بتلقائيتها، فيها مشاعر الحسرة واللوعة، وفيها الإيمان والعزاء، وفيها أيضا الغضب من السلطة التى لا تحمى مواطنيها. كل هذه المشاعر المختلطة، وهو أمر طبيعى، حيث يعيش الناس حالة صدمة، ولوعة، وحزن، وما أقسى أن يواجه الناس حادثا إرهابيا بشعا يزهق أرواحا بالجملة، يجعل أسرهم فى حالة صدمة، وأصدقاءهم ومعارفهم فى حالة ذهول.
شكرا لوسائل «التواصل الاجتماعى» التى لا تعجب البعض، ويتمنون إغلاقها.. شكرا لها لأنها تجعل الناس تتواصل إنسانيا، وتضعهم فى لحظة وتفاعلات وإنسانية الأحداث، بعيدا عن التغطية الإعلامية الخشبية، التى لا تهدف إلى نقل المشاعر، وتفاعلات الأحاسيس، بل ترمى إلى التهدئة، واستيعاب الموقف، لا أكثر. شكرا لها لأنها جعلت حتى الأطفال الصغار يتفاعلون مع الموقف، ويعرفون من خلال أصدقائهم ما يحدث، ويعلقون عليه، ويشعرون به.
ولكن ستظل هناك إشكالية أن الذاكرة الإعلامية التقليدية سريعة النسيان، سهل أن نطويها، ولكن الذاكرة الإلكترونية أطول، تظل تختزن صورا، وعبارات، ومشاهد سهل استعادتها. الإعلام التقليدى مهما اتسع انتشاره محدود، ولكن إعلام الفيس بوك أكثر انتشارا، ينتقل من مكان لآخر بسلاسة، بما فى ذلك التواصل بين القارات، فى متناول اليد، يعيش فيه الناس على مدى الساعة، ويتفاعلون معه بوصفهم صناع رأى، وليسوا متلقين سلبيين.
أسوأ ما فى هذه الأحداث الدمار الإنسانى الذى تخلفه، والمشاعر السلبية التى تتركها، والأحزان المطمورة، وسوف يمضى حادث تفجير الكنيسة البطرسية مثلما مضى غيره، ولكنه سيظل عالقا بذاكرة ليس من السهل محوها، وتراكم وتكرار الذاكرات السلبية ليس نافعا، بل مهلكا للجسد الوطنى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved