«ليلة غرام»..

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 13 ديسمبر 2019 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

هذا بالتقريب الفيلم المصرى الوحيد الذى تم وضع أسماء العاملين فيه بشكل اعتباطى، وهو الفيلم الأول للفنانة مريم فخر الدين، وللممثل جمال فارس، حيث إن اسمى الممثلين الرئيسيين مكتوبان ببنط واضح جدا، ثم تشير العناوين إلى باقى الممثلين، ثم نرى الاسمين نفسيهما فى ترتيب آخر لا أعرف على أى أساس حدث هذا. ومن بين الأسماء هناك محمود المليحى وحسين رياض ونجمة ابراهيم، تتباين أدوارهم بشكل ملحوظ.
أما المدخل الثانى فهو بداية الفيلم، حيث ترى امرأة خاطئة تترك ابنتها لسفاح على الطريق الزراعى، وهو مشهد رأينا مثيلا له فى الكثير من الأفلام، ومنها «ياسمين» و«دهب»، والكثير من أفلام حسن الامام، ومنها «اليتيمتين»، وفيلم «ليلة غرام»، تم عمله مع افتتاح النصف الثانى من القرن العشرين.
الأفلام التى تحكى قصص اللقطاء اليتامى مليئة بالأشخاص المنكوبين الذين تلاحقهم الكوارث والأحزان، فما بال الأفلام الخاصة باللقطاء، وهم الذين لا يعرف أحد آباءهم، وكثيرا ما يقذفهم المجتمع بألفاظ رديئة منها ابن حرام، حيث تظل افعال الآباء المحهولين تطاردهم فى الماضى والحاضر والمستقبل، ولك أن تتصور كمية النكد التى تكسو مثل هذه الأفلام، ومن الواضح أن هذه الأفلام كانت مفضلة لدى المشاهدين بدليل تكرارها، ونحن هنا أمام نص أدبى للكاتب محمد عبدالحليم عبدالله، فاز بجائزة الملك فاروق الأول، عام 1945، وقامت دار النشر بتغيير اسم الجائزة بعد ثورة يوليو لتحمل اسم مجمع اللغة العربية، ولا أتصور أنها استمرت فى الحياة الثقافية.
هى رواية حزينة للغاية لا منفذ منها إلى أى أمل حول ليلى البنت اللقيطة التى تنتقل من الملجأ إلى العمل بالتمريض فى مستشفى، تتعرض للمكائد من زميلاتها، يتم نقلها بقسوة إلى مستشفى آخر بالإسكندرية، وهناك تقع فى غرام الطبيب الميسور رشدى، حيث تتكرر حكاية غادة الكاميليا، كأنما البنت اللقيطة تمثل عالم الدعارة لا يمكن الغفران لها، ولن يوافق الأبوان والمجتمع أن تتزوج اللقيطة من الطبيب، وفى النص الادبى فإن ليلى تموت من المرض مثلما حدث لمرجريت جوتييه، وأيضا مثل زينب بطلة الرواية المشهورة فى الأدب المصرى، التى تحولت إلى فيلم سينمائى فى الفترة نفسها.
الرواية بدت متأثرة بالأدب العالمى فماتت ليلى بين يدى حبيبها الطبيب جمال وفى السينما تزوجت ليلى من حبيبها رشدى بعد الضمانات التى حصل عليها الأب من الشيخ العجوز الذى كان يراعى ليلى، باعتبار أن السينما كثيرا ما تميل إلى غفران ذنوب الخاطئين.
المؤلف هو الذى اختار لليلى أن تموت فى الرواية، وهو الذى كتب السيناريو، وقرر أن يمنح بطلته الحياة، وأيضا نعمة الشفاء والزواج، ومثل هذا الأمر يشجعنا على قراءة النص الأدبى مع مشاهدة الفيلم، وفى زمن اليوتيوب هناك إمكانية الاسماع للنص الأدبى مقروءا، خاصة أنه مقروء بصوت جذاب يتناسب مع اللغة العربية المكتوبة بها الرواية، أما فى السينما فسوف نرى إضافات ليست لها علاقة بالنص، فلم ينس المخرج حبه لتقديم أغنيات فى أفلامه وهو الذى قدم أغلب افلام أم كلثوم، ثم فريد الأطرش، وعليه بدت الاغنيات هنا محاولة لتلطيف أجواء الحزن أو ربما لتجسيد مشاعر الحزن، فهناك الجار الأعزب الذى يقع فى حب الممرضة ليلى دون ان تحس به، يؤدى الدور كارم محمود الذى يكتفى بالغناء.. إنه غناء يتكرر من وقت لآخر، كما يضيف الفيلم أغنية «صفر باوابور» عندما تركب ليلى القطار إلى الإسكندرية لتعمل فى المواساة، وهناك تتنامى قصة حب مع الطبيب رشدى الذى كان اسمه جمال، ويقدم الفيلم ليلى كفتاة رومانسية هشة تميل لى العزلة وتقرأ القرآن والكتب الدينية، كما أنها تصادق الشيخ المفكر الدينى الذى سوف يتبناها ويقف إلى جانبها، حين يتعثر أمر زواجها من الطبيب.
يجب أن ندرك هنا أن الرواية هى سيرة لحياة ليلى منذ ميلادها حتى الوفاة، أما الفيلم فهو روايتها منذ الميلاد حتى تتزوج باعتبار أن للحياة بقية.. هذا هو عنوان آخر روايات المؤلف
فى كل مكان تعمل به ليلى تكون هناك مجموعة من الممرضات اللاتى يشهدن بجمالها، ويشرت بالغيرة الشديدة منها، ويسعين إلى إبعاد الطبيب عنها، ومن خلال الفيلم نعرف أنه كم تولدت قصص ما بين الممرضات والأطباء، وأن بعضها يفشل بسبب أنه قائم على المصلحة والشهوة العابرة.
ليلى عبدالله هى نموذح لبنات رومانسيات يرمزن إلى هذه الحقبة فيها أن من حق اللقيطة أن يكون لها قلب وعواطف، والنص هنا يؤمن بالمصادفات النادرة، فالأم التى تركت وليدتها وهى مولودة لتوها سوف تظهر بعد سنوات وتتعرف على ابنتها وهى مريضة، وفى الاسكندرية الواسعة تتعدد المصادفات فى لقاء الطبيب بالممرضىة، هى مصادفات من الصعب تصديقها لكنها ترضى المتفرح، فالأم تأتى إلى المستشفى التى تعمل بها ليلى، وتتعرف عليها لكنها لا تبلغها بالحقيقة ثم تموت، أى أن اللقيطة ستظل دوما مجهولة الأبوين ولهذا السبب قتلها المؤلف فى روايته، وامتثل للمخرج فى الفيلم.
قلنا ان الفيلم تضمن مشاركة العديد من النجوم فى أدوار متباينة منهم عباس فارس، وماجدة وزينب صدقي وزوزو نبيل وتحية كاريوكا وفردوس محمد وزوزو حمدى الحكيم، وفى الفيلم الكثير من المشاهد التى تحمل اسلوب بدرخان، كأن يبدأ الفيلم بمشهد الجامع وانطلاق الأذان مثلما حدث بالضيط فى فيلم الايمان 1952، الذى شارك فيه الكثيرون من أبطال فيلم «ليلة غرام».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved