مسارات نزاعات ثلاث فى الشرق الأوسط

ناصيف حتى
ناصيف حتى

آخر تحديث: الإثنين 13 ديسمبر 2021 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

فى نهاية عام ستحكم مسارات نزاعات ثلاث وكيفية تطورها، ولو اختلفت درجة الحدة بينها وعناصر كل نزاع بين هذه النزاعات المؤثرة كل منها بالآخر بدرجات متمايزة، الأجندة الفعلية للنظام الإقليمى فى الشرق الأوسط فى العام القادم. ستحدد أولوياته الحقيقية وأنماط العلاقات والتفاعلات فى الإقليم ومع الخارج الدولى. الأول هو مسار المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووى الإيرانى مع القوى الدولية الست المعروف «بخطة العمل الشاملة المشتركة» الذى تم التوصل إليه فى يوليو ٢٠١٥، والذى انسحبت منه الولايات المتحدة فى مايو ٢٠١٨ نتيجة للرفض الكلى للرئيس الأمريكى حينذاك للاتفاق فى منطلقاته وأبعاده. الرئيس بايدن الذى يريد العودة للاتفاق ولكن مع «معالجة ثغراته» يشترط رفع العقوبات بشكل تدريجى عن إيران رابطا ذلك بسلوكية إيران بشأن الاتفاق وتحديدا سد ما يعتبر ثغرات تحاول إيران استغلالها للإفلات مما يعتبره قيودا ضرورية لإنجاح الاتفاق. إيران من جهتها، تصر على رفع جميع العقوبات وتوفير ضمانة أمريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق مستقبلا، كما حصل مع إدارة ترامب، وهو ما لا يمكن للإدارة الأمريكية، كما تقول، قبوله لأسباب قانونية وسياسية. تصعيد متبادل يعتبره بعض المراقبين أنه جزء من لعبة المفاوضات لتحصيل صفقة أفضل قبل إعادة إحياء الاتفاق الذى تريده جميع الأطراف المشاركة رغم المطالب والمواقف المختلفة. يثير البعض المخاوف من أن إيران مضت ولو سرا فى تخصيب اليورانيوم إلى أعلى من نسبة العشرين بالمائة التى اعترفت بها دون أن تحدد كمية اليورانيوم المخصب لهذه الدرجة التى تمتلكه. وهنالك تقارير تقول أن إيران وصلت إلى تخصيب لنسبة ستون بالمائة وأنه صار من السهل الوصول إلى نسبة التسعين بالمائة التى تضع من يمتلكها على عتبة إنتاج السلاح النووى فى فترة قد تتراوح بين ستة أشهر إلى عام. ويعتبر ذلك بمثابة خط أحمر للولايات المتحدة فى ظل ازدياد التصريحات الإسرائيلية المهددة بالعمل العسكرى ضد إيران لمنعها من الوصول إلى «العتبة النووية» علما أن تقارير عديدة تتحدث عن أعمال تخريبية عسكرية إسرائيلية لردع إيران من الوصول إلى باب النادى النووى. هنالك حالة سباق بين العودة إلى المفاوضات وإعادة إحياء الاتفاق النووى من جهة وبين الذهاب نحو المجهول من خلال تعثر المفاوضات من جهة أخرى وهو ما لا يريده أى من الأطراف المعنية رغم لعبة «عض الأصابع» القائمة. الاتفاق دونه الكثير من الصعوبات ولكنه ليس بالمستحيل باعتبار أن الأطراف المعنية ترى فى مصلحتها الاستراتيجية ولو لأسباب مختلفة بين طرفى المعادلة الأساسيين (الأطراف الغربية وإيران) التوصل إلى إحياء اتفاق مع تعزيزه ولو كل من هذه الأطراف يرى تعزيز الاتفاق بشروط مختلفة.
المسار السياسى الثانى يتعلق بالعلاقات الخليجية ــ الإيرانية بشكل خاص والذى شهد تقدما طفيفا كما ظهر ذلك عبر بعض التصريحات. ولكن لا يمكن البناء على ذلك بعد بقوة. حدث ذلك من خلال اتصالات بعضها على مستوى عالٍ بين الأطراف المعنية وبعضها الآخر كان بشكل مباحثات استكشافية وعلى مستويات «فنية» أو عبر أطراف أخرى. هذا المسار يسمح أولا فى خفض التوتر كما يحمل إمكانية إحداث اختراق إذا ما تم التوصل إلى اعتماد مجموعة قواعد وسلوكيات «دولتية» معينة، معروفة عادة فى العلاقات بين الدول لتنظيم وإدارة هذه العلاقات. يؤدى ذلك إذا ما حصل إلى بلورة آلية لاحتواء الخلافات وبناء التفاهمات بغية تطبيع العلاقات بين الطرفين، وهو لمصلحة أمن هذه الأطراف ولمصلحة الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.
المسار الثالث يتعلق بالعودة العربية (تحديدا عدد متزايد من الدول العربية) بسرعات وصيغ وأشكال مختلفة إلى سوريا. يأتى ذلك تحت عنوان إعادة سوريا إلى الجامعة العربية. ويقول البعض إن ذلك ممكن فى القمة العربية القادمة فى مارس. فيما يرى آخرون أن الحديث عن العودة ما زال مبكرا ويجب أن تسبقه خطوات أخرى، دون أن يعنى ذلك عدم الاستمرار فى التطبيع التدريجى وفق حسابات كل من هذه الدول. لكن يتفق مجمل هؤلاء أن المطلوب أن لا يبقى العرب غائبين، رغم غياب الموقف العربى الواحد، عن لعبة الصراعات والتفاهمات الجارية فى سوريا وحول مستقبل سوريا نظرا لأهمية موقعها الجيوستراتيجى فى «قلب» المنطقة.
هذه المسارات الثلاث فى ديناميتها وتفاعلاتها مع بعضها البعض ستحكم الأجندة الإقليمية العام القادم فى ما يتعلق بالأولويات الفعلية للأطراف الناشطة والمؤثرة فى علاقاتها المباشرة وكذلك فى النقاط الساخنة فى الإقليم الشرق أوسطى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved