لوغاريتمية الجيش
أحمد الصاوى
آخر تحديث:
السبت 14 يناير 2012 - 9:20 ص
بتوقيت القاهرة
يقول قادة المجلس العسكرى إنهم سيسلمون السلطة كاملة، ويضمنهم رئيس الوزراء، ورئيس المجلس الاستشارى، ومرشحون للرئاسة، لكن شباب الثورة لديهم شكوك فى هذه النوايا، وجيمى كارتر قالها قبل يومين واضحة إنه يتشكك فى تسليم الجيش لكل السلطة، وقبل هذا وذاك كانت «وثيقة السلمى» والرجل نفسه على السلمى خرج ليؤكد أن المادتين 9 و10 فى هذه الوثيقة وضعهما الجيش بنفسه لضمان وضع خاص له فى الدولة الجديدة وحصانة تمنع عنه المساءلة والمحاسبة والمراقبة، وأمام كل ذلك خرجت من مكتب الإرشاد أصوات تتحدث عن منح الجيش وضعا خاصا أو تتحدث عن ترتيبات حصانة وخروج آمن.
وبين هذا وذاك تقف القوى السياسية مرتبكة وعاجزة، لكن بعضها يلح فى تعزيز الدعوات نحو بقاء الجيش فى قلب المعادلة السياسية، وهناك توافق على ذلك تبدو من بين السطور الخارجة من أفواه قيادات الأغلبية الجديدة، وحديث عن خروج تدريجى للجيش يستغرق عشر سنوات، يبدأ فيه العسكرى مشاركا فى السلطة حتى ولو ومن وراء ستار، وصاحب كلمة فصل فى مسألة الدستور، وتنتهى بعد عشر سنوات بالخروج الكامل حين تكون مجموعة المجلس العسكرى قد تأمنت تماما، وتكون القوة الجديدة نجحت فى فرض مشروعها الذى قد يمتد لاحقا للجيش.
الإخوان أغلبية برلمانية جاءت باختيار شعبى نزيه، لكنها لا تحاول أن تستفيد من هذا التفويض، تفضل ألا تخوض معركة مع الجيش وكأنها تعرف أن الصناديق لن تحميها، وما حصلت عليه من أصوات جزء منه يرجع لشعبية الجيش نفسه، وربما رضاه عنها، لكنها تخون الديمقراطية وتخون إرادة الجماهير حين لا تتمسك بتشكيل الحكومة الديمقراطية، وحين تقرر دعم حكومة الجنزورى، فى إذعان واضح للعسكرى الذى عبر عن ذلك فى تصريحات الملا، التى تم نفيها لكن أثبتت الأيام صحتها.
حزب النور الذى حصل على نصيب لا بأس به ربما ما زال ينطلق من أدبياته التى تعتبر العسكرى ولى الأمر، أو الإمام المؤقت، ويتحرك بمحاذاة مواقفه، لكن المصيبة الأكثر فى «القوى المدنية» التى تتعامل اليوم مع الجيش وكأنه الضامن الوحيد والباقى لمدنية الدولة، فتدعم حتى ولو من أسفل السطور بقاءه أو وجوده كصاحب «فيتو» سياسى حتى بعد تسليم السلطة، وهيمنته على وضع الدستور، وهذه خيانة أخرى للديمقراطية.
من المسئول إذن عن هذا الوضع؟ كل القوى السياسية مجتمعة «الليبراليون واليسار» الذين فشلوا فى مجابهة الإسلاميين فى الشارع فتحركوا باتجاه ضرب كرسى فى كلوب الديمقراطية، والإسلاميين الذين خاضوا انتخابات ديمقراطية وفق معايير ليبرالية ودستور مدنى، فأفزعوا الجميع بتصريحاتهم المتربصة بالدولة المدنية، ودفعوا قطاعات كثيرة للارتماء فى حضن الجيش والتشبث به باعتباره آخر ضامن للدولة المدنية، وهو ارتماء منح الجيش إحساسا بعدم صعوبة فرض إرادته بوضوح، فاضطر الإسلاميين لتقديم التنازلات له حفاظا على مكاسبهم الانتخابية، وكنوع من التقية فى انتظار التمكين.
لا تصدق إذن أحاديث التحالفات والإستقطابات والأغلبية وغيرها، المعركة الأساسية على الجيش ومع الجيش، هذه كلمة السر فى الأزمة السياسية وحلها كان يحتاج توحدا مدنيا عاما يمنح للمواطن قبل غيره الثقة بأن هذه القوى السياسية قادرة على خوض معاركه، وعندما ثبت أمامه أنها قوى عاجزة عن التوافق والمستقبل معها ضبابى، دخل الجيش لملء هذا الفراغ باعتباره عنوان الاستقرار التقليدى، والأرجح أنه الطرف الوحيد الذى يملك هدفا محددا ويسعى إليه بوضوح ودون إفصاح.