دعوة ملزمة للأطباء

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الإثنين 14 يناير 2013 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

روعنا الخبر وألقى بظل قاتم على اجتماعنا. كنا مجموعة من أطباء القلب، وتصادف أن كان بيننا نقيب الأطباء فى اجتماع عمل. لقى زميل لنا شاب مصرعه اثر اختناق بغاز أول أكسيد الكربون فى مستشفى خاص بمدينة شربين. للخبر على النفس وقع مؤلم. أما ما هو أشد إيلاما فهو ما وراء الخبر من تفاصيل. الطبيب شاب حديث التخرج، لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره، ترك وراءه زوجة شابة فى رحمها جنين. من أجله كان يعمل فى أكثر من مكان.

 

 

أحد تلك الأماكن مركز صغير خاص يملكه زميل طبيب آخر لحضانات الأطفال والمبتسرين. فى تلك الليلة كان عليه متابعة أحوال ستة من المواليد المبتسرين داخل الحضانات. البرد قارس والعواصف عاتية والأمطار تهطل بغزارة، لم يصمد أمامها تيار الكهرباء العام للمستشفى، فلجأ الطبيب لمولد الكهرباء وجلس إلى جواره خوفا من أن يتوقف فيداهم القدر أرواح صغار لا حول لهم ولا قوة داخل صناديقهم الزجاجية. ولأن مولد الكهرباء عتيق الطراز فإنه يدور محدثا جلبة معها يتصاعد بلا لون أو رائحة غاز أول أكسيد الكربون السام. تسلل الغاز إلى رئتى الطبيب ودمه ببطء ليسلبه وعيه ويشل حركته ويسحب روحه فى لحظة غادرة.

 

توفى الطبيب الشاب محمود داود الشربينى وهو يؤدى واجبا إنسانيا تحتمه رسالة سامية لمهنة عظيمة. هذا أمر نجله وقدر لا نعترض عليه، ولكن السؤال الذى ظل معلقا فوق رؤوسنا جميعا: من يتحمل تبعات أسرته الصغيرة، ويرعى أحوالها بعد أن فقدت عائلها الوحيد فجأة ودون أى مقدمات؟

 

سمعت حديثا من نقيب الأطباء د. خيرى عبدالدايم عن إجراءات استثنائية سوف تهم بها النقابة ومن الزميل د.عبدالرحمن جمال، أمين لجنة الشباب فى النقابة الذى سارع بمحاولة الاتصال بأهله، لكن وان كان هذا دور تتبناه النقابة، إلا أننى كنت وقد داهمتنى الحيرة أتخيل مستقبل تلك الأسرة الصغيرة تعصف بها الأنواء.

 

جاءت الفكرة من زميل فاضل الدكتور أحمد مجدى استشارى القلب الذى وجه إلىّ حديثا: لماذا لا تتبنين فكرة أن نبدأ فورا فى إنشاء صندوق لرعاية أسر الأطباء الشبان إذا ألمت بهم كارثة كتلك التى شهدتها أسرة زميلنا الشاب اليوم. أكون أنا أول المتبرعين، وأعدك بأن أساهم فى جمع مبالغ أخرى من مصادر مختلفة. فقط نبدأ الآن.

 

فكرة نبيلة أطرحها للتنفيذ وأظننى أسعى لعرضها فى نقابة الأطباء وان كنت أتمنى لو اعتبرها الجميع دعوة مفتوحة للتكافل وأداء الواجب.

 

أدعو الأطباء أولا، فهم أولى بكفالة أبناء الشباب من زملائهم إذا ما أوصد القدر أبواب الرحمة فى وجوه صغارهم، واختطف الموت آباء كانوا لهم سندا، لا أطلب لهم زكاة أو صدقة إنما أطلب لهم حقا معلوما لدى زملاء مهنة ورفاق واجب ورسالة. تلك بلا شك دعوة مفتوحة ملزمة، وأنا فى انتظار رد الفعل الذى يناسب قدر الصدق فيها والالتزام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved