حيرة واشنطن بين بن نايف وبن سلمان

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 14 يناير 2016 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

لا يخطئ المتابع للشأن الأمريكى حالة القلق المسيطرة على واشنطن فيما يتعلق بمستقبل المملكة السعودية. ولا يرتبط القلق فقط بما يتعلق بمستقبل استقرارها السياسى خاصة مع التغيرات المتسارعة والدراماتيكية على حدودها الجنوبية أو الشمالية أو حتى الشرقية. ولا يرتبط القلق كذلك بتبعات انخفاض أسعار النفط الحالية، والمتوقع لها أن تستمر خلال الأشهر والسنوات القادمة، على الداخل السعودى والاقتصاد مع عجز متوقع فى ميزانية 2016 تتخطى 100 مليار دولار، فى ظل ثورة توقعات كبيرة من الشعب السعودى الذى يقل سن 70% منه عن الثلاثين عاما. إلا أن هوية الملك السعودى القادم تعد المصدر الأهم للقلق الأمريكى على أحد أكبر حلفائها فى الشرق الأوسط.

ولا تستطيع واشنطن، وعلى الرغم من أهمية السعودية لها، فك طلاسم سياسات قصورها التى تختلط فيها الاعتبارات العائلية والقبائلية، باعتبارات الزواج والإنجاب، وهوية الأمهات. ومنذ وصول الملك سلمان (80 عاما) لسدة الحكم قبل عام، واتخاذه قرارات دراماتيكية خلال أشهر حكمه الثلاثة الأولى، والتى تضمنت تعيين محمد بن نايف (56 عاما) وليا للعهد، إضافة لمنصبه الهام كوزير الداخلية، وهيمنته على أجهزة المخابرات السعودية. إلا أن القرار الأهم تمثل فى تصعيد محمد بن سلمان (30 عاما) ليصبح وليا لولى العهد، ووزيرا للدفاع، ورئيسا لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية.
***
تعرف واشنطن جيدا محمد بن نايف، فالرجل درس فى إحدى جامعات ولاية أوريجون، وتدرب كذلك فى مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI. وخلال سنوات خدمة والده كوزير للداخلية، خدم محمد كنائب له، وأقترب من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية نتيجة إشرافه على ملفات شديدة الحساسية كمواجهة تنظيم القاعدة داخل السعودية، وتبنيه لبرامج إعادة تأهيل وإصلاح للإرهابيين. وأشرف محمد بن نايف مباشرة على التنسيق الأمنى والاستخباراتى مع نظرائه الأمريكيين، وهو ما دعا جورج تينيت، المدير الأسبق للسى آى إيه للقول إنه «الأهم من بين الأشخاص الذين تحدثت إليهم. فهو شاب نسبيا، وقد وضعنا فيه قدرا كبيرا من الثقة وأوليناه احتراما عظيما». ومدح كذلك ليون بانيتا، المدير السابق للمخابرات الأمريكية، وأشاد بقدرات محمد بن نايف قائلا عنه «إنه الأذكى والأكثر خبرة فى أبناء جيله».
ويرى الخبير بمعهد بروكينجز بروس ريدل، والذى عمل لعقود فى وكالة الاستخبارات ومجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض، فى دراسته الصادرة فى سبتمبر الماضى تحت عنوان «أمير مكافحة الإرهاب» أن محمد بن نايف لديه ميل فطرى شديد لدعم المصالح الأمريكية. وخلال اجتماعات قادة مجلس التعاون الخليجى الصيف الماضى مع الرئيس الأمريكى، بدا بن نايف مرتاحا تماما للعمل بشكل وثيق مع الأمريكيين، ومنسجما بصورة كبيرة مع الرئيس أوباما.
***
خلال الأشهر الأخيرة مثل صعود نجم محمد بن سلمان مفاجأة كبيرة لواشنطن، ودوائر صنع القرار بها. ولا تعرف واشنطن بن سلمان، فهو قد تلقى تعليمه داخل السعودية، ولم يعش التجربة الأمريكية كغيره من الأمراء السعوديين. وتتعرف واشنطن على محمد بن سلمان من خلال آليتين مختلفتين. تتمثل أولهما فى الأخبار التى لا تتوقف عن مغامراته وأنشطته السياسية والعسكرية، وتمثل كتابة معلقين أمريكيين من العيار الثقيل عن بن سلمان الآلية الثانية. أخبار الحرب التى تقودها السعودية فى اليمن، وسيطرة محمد بن سلمان على القرار بشأنها، إضافة لأخبار مثل الإعلان المفاجئ عن تحالف عسكرى للدول السنية، والذى فوجئت به واشنطن، وترؤسه كذلك لمؤتمر المعارضة السورية فى الرياض، وقبل ذلك لقاءات مثيرة مع مسئولين روس وصينيين وباكستانيين، جعلت واشنطن تنتبه للأمير الشاب.
كذلك تتعرف واشنطن عليه من خلال مقالات كبار كتاب الرأى عنه بعد عودتهم من لقائه بالرياض وقضاء ساعات معه، أو من خلال الالتقاء به خلال زيارته السابقة لواشنطن منذ شهور قليلة. توماس فريدمان، أحد أهم كتاب نيويورك تايمز، كتب عن تفاصيل لقائه مع ولى العهد السعودى فى مكتبه خلال زيارته للسعودية، وتحدث عن الجهود التى يبذلها من أجل رقى المملكة! وأشار فريدمان إلى سعى بن سلمان إلى محاربة الفساد الحكومى الذى يعد أحد أبرز التحديات، وامتدح فريدمان بن سلمان وأثنى على سعيه إلى التحول إلى الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وكذلك الطاقة الشمسية، وجعلها قادرة على المنافسة فى السوق المحلى، والحاجة ماسة إلى ذلك؛ حتى تتمكن المملكة من تصدير المزيد من النفط بدلا من استهلاكه فى الداخل.
أما واشنطن بوست، فقد كتب فيها ديفيد أجناشيوس مقالا عنوانه «ملك السعودية القادم» نقل فيه عن مسئول أمريكى قوله إن محمد بن سلمان «لديه رؤية مؤثرة بشكل كبير». وذكر أجناشيوس أن احتمالات وصول محمد بن سلمان لسدة الحكم باتت غالبة.
**
من الصعب التنبؤ كيف ستجرى عملية الخلافة السياسية فى السعودية، وأعتقد أن واشنطن لن يكون لها دور فى هذا الموضوع. سترحب واشنطن بلا تحفظ بوصول محمد بن نايف لسدة الحكم، ولن تتوقع منه واشنطن أى مفاجآت، فهى تعلم أنه يدرك توازنات القوة بدقة داخل وخارج المملكة، وتعرف كذلك أنه شخصية محافظة متزنة، ولن تتوقع منه تغيرات جذرية لا فى السياسة الداخلية ولا فى السياسة الخارجية. ومع ما يبدو أنه حالة مستمرة من التهميش المستمر لبن نايف، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة للترحيب بوصول محمد بن سلمان لسدة الحكم رغم ما لديها من عوامل قلق وتحفظات ترتبط بقراراته المتسرعة وقلة خبرته من ناحية أخرى، ومن ناحية أخرى، عدم معرفتها به وعدم معرفته هو بواشنطن وبأمريكا. بعض الأمريكيين يعتقدون أن بن سلمان يمثل فرصة حقيقية لإجراء تحديث مؤجل داخل المملكة ينقلها للقرن الحادى والعشرين على غرار ما ذهبت إليه دولة الإمارات على سبيل المثال، إلا أن البعض يدرك أيضا أنه كفرصة قد يتحول لأزمة لا يمكن معها السيطرة على زمام أمور الحليف السعودى الهام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved