ما فعلته غرامة الخمسين جنيها

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 14 يناير 2021 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

«إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» وهذا الكلام الصحيح ينطبق تماما على التزام عدد كبير من المصريين بارتداء الكمامة، بعد أن صارت غرامة عدم ارتدائها خمسين جنيها.
ومن المحتمل أن تكون غرامة الخمسين جنيها أكثر تأثيرا وفاعلية من كل محاولات وطلبات ومناشدات المسئولين فى الحكومة طوال العام الماضى للمواطنين كى يرتدوا الكمامة. أحاول معظم الوقت ملاحظة سلوكيات الناس فى الشوارع والمؤسسات والمواصلات فيما يتعلق بارتداء الكمامة، واكتشفت أن هناك التزاما كبيرا من المواطنين مقارنة بما كان موجودا قبلها، والسبب هو الخوف من الغرامة؛ حيث تم ضبط ١٣١٣٥ شخصا لعدم ارتداء الكمامة خلال يوم واحد الأسبوع الماضى، وكذلك القبض على شخص يقوم بتجميع أسطوانات غاز الأكسجين لبيعها فى السوق السوداء.
ما قبل تطبيق الغرامة، كان من المعتاد أن الميكروباص الذى يعمل على خط «فيصل ـ تحرير» تكون نسبة الالتزام فيه، واحد أو اثنين من بين ١١ راكبا، مع وجود ثلاثة أو أربعة يضعون الكمامة تحت أفواههم حتى يتمكنوا من أن يرفعوها على أنوفهم فورا، إذا صادفوا ضابطا أو أمين شرطة فى كمين أو إشارة مرور.
بعد تطبيق الغرامة الحالية اختلف الأمر إلى حد كبير، مرة أخرى أتحدث عن مشاهدات ألاحظها فى شارع التحرير فى المسافة من كوبرى الخشب قرب بولاق الدكرور ومحطة البحوث مرورا بالدقى، وصولا إلى ميدان التحرير وحتى قرب ميدان السيدة زينب.
فى هذه المسافة التى أقطعها سيرا على الأقدام مرة أسبوعيا على الأقل، أتأمل الناس فى الشوارع والمواصلات. وبثقة أقول إن نسبة الالتزام قفزت إلى أكثر من خمسين فى المائة على الأقل.
إذا ثبت أن ٥٠ جنيها لها مفعول السحر على ملايين الناس للالتزام.
لدينا نموذج مماثل ومجرب وناجح وهو الغرامة المفروضة على أى شخص يضبط متلبسا بالتدخين داخل المترو ومحطاته المختلفة، وأظن أنها كانت منذ سنوات عشر جنيهات ولا أعرف هل ارتفعت مثل كثير من الرسوم أم لا تزال كما هى؟
غرامة الجنيهات العشرة فى مترو الأنفاق كانت حاسمة ورادعة منذ البداية، بحيث إن ضبط مدخن فى المترو هو أمر جلل وحدث استثنائى نادر الحدوث.
حكى لى سائق تاكسى أن أمين شرطة أوقفه، لأنه لم يكن يرتدى الكمامة وكان معه ركاب فى السيارة، ومن يومها صار ملتزما جدا، بل ويضع الكمامة أحيانا حتى وهو يقود السيارة بمفرده ومن دون زبائن معه.
سائق آخر اتهم أمين الشرطة بالجباية، فقلت له: ولماذا نلوم أمين الشرطة ولا نلوم حضرتك لأنك خالفت القانون؟!!.
هو قال لى القول المصرى المأثور: «يعنى هى جت علىَّ أنا وحبكت»، قلت له ولماذا لا تصعب الأمر على أى شخص أو مسئول يريد أن يتربص بك؟ حاول أن تطبق القاعدة الذهبية: «امشى عدل يحتار عدوك فيك»، ثم إن أمين الشرطة، لن يضع قيمة الغرامة فى جيبه، بل سيتم توريدها لخزانة الدولة، وحضرتك سوف تتسلم إيصالا رسميا بذلك.
ظنى أن التطبيق الصارم لإلزام الناس بارتداء الكمامة فى المؤسسات المغلقة ووسائل المواصلات، سوف يقود إلى تقليل عدد المصابين بكوفيد ــ ١٩.
وقد رأيت كثيرين يرتدون الكمامة وهم يسيرون فى الشارع، أو شخص يقود سيارته بمفرده، رغم أن القانون لا يتطلب ذلك!!
نعلم جميعا حيل بعض المصريين، وكيف وصلت جرأتهم إلى تأجير الكمامة الواحدة لأكثر من شخص يريد أن يدخل بعض المؤسسات الرسمية، هذا حدث بالفعل وهو الوصفة السحرية لنشر الفيروس الملعون بالمجان. بعد ذلك وصلنا للحيلة الأشهر وهى ارتداء الكمامة على الفم وكأن هو الذى سيتضرر فقط، فى حين أن المشكلة الحقيقية فى الأنف. وأخيرا وصلنا إلى محطة الغرامة وهى محطة فارقة، لكن الأهم هو كيف يمكن أن نجعلها مستمرة وفعالة، وتطبق على الجميع من أول الخفير إلى الوزير.
نقطة البداية هى تدريب عناصر الشرطة ومن لديهم الضبطية القضائية من العناصر التى ستتولى التنفيذ. لو حدث ذلك فسوف تقل نسبة المشاكسات والصراعات بين المحصل والمخالفين، والأهم سوف يترسخ فى وعى الناس ثقافة الثواب والعقاب، والأكثر أهمية هى الالتزام حفاظا على صحتهم.
صحيح أن عددًا من الناس لا تشغله صحته، بل تشغله غرامة الخمسين جنيها، لكن لا بأس طالما أنها تحقق الهدف وهو الحفاظ على صحة النفس والمجتمع.
شكرا لغرامة الخمسين جنيها التى فعلت ما لم تفعله الحملات الإعلامية وتصريحات المسئولين طوال عام كامل!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved