المتاجرة بالإيمان في وسائل التواصل الاجتماعي

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 14 يناير 2023 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

ينتشر بين الكثير من المسلمين وتحديدا فى المنطقة العربية عبارة «الحمد لله على نعمة الإسلام»، ويزيد البعض عليها عبارة «وكفى بها نعمة»! هذه العبارة ليست حديثا شريفا عن الرسول، ولكنها عبارة شائعة وتعبر على أية حال عن شكر المسلم لله على اتباع دينه، كما تعبر عن سعادة الإنسان المسلم بعقيدته!
فى القرآن الكريم الكثير من الآيات التى تحث الناس على حمد الله أو شكره على الكثير من النعم مثل الرزق والحواس الخمس أو النجاة من الظلم أو على نصرة الله. كما أتت عبارة الحمد على لسان بعض الأنبياء فى القرآن الكريم مثل شكر النبى داوود والنبى سليمان لله على العلم الذى أعطاهما إياه (سورة النمل).
كما أنه وفى حدود علمى واطلاعى فهناك الكثير من العبارات المشابهة فى معظم الديانات الأخرى فالعهدان القديم والحديث بهما آيات لشكر الله على النعم مثل نعمة الفداء ونعمة المسيح وهكذا!
• • •
لا توجد أى مشكلة فى ترديد مثل هذه العبارات كونها حافزا على الرضاء وقد تكون أحيانا حيلة نفسية دفاعية للتغلب على مشاكل الحياة وصعوباتها وتحدياتها، ولكن تكمن المشكلة حينما تستخدم الكلمات فى غير موضعها، فلا تحقق الهدف المرغوب بل على العكس تزيد من المشاحنات فى المجتمعات وتؤثر على حالة السلم الأهلى!
فأخيرا أصبحت عبارة «الحمد لله على نعمة الإسلام» تستخدم فى بعض الأحيان للتمييز والاستهزاء أو التقليل من شأن الآخر ومعتقداته فى الحياة! وقد ظهر هذا التوجه الجديد فى استخدام الكلمة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى والأخيرة كما لها من مميزات، لها الكثير من السلبيات وعلى رأسها نشر الجهل وتسطيح الدين والمتاجرة بالإيمان والاستهزاء بالعقائد المغايرة، والأهم أنها جعلت كل ذلك يتم بلا ثمن اجتماعى أو قانونى أو حتى تربوى!
فأخيرا ومع انتشار صورة أو منشور متداول لمناسبة غير إسلامية، تجد العشرات من التعليقات التى تردد «الحمد لله على نعمة الإسلام»! فمثلا يكتب مسيحى آيات من الإنجيل احتفالا بعيد الميلاد، أو يضع صورة لقسيس على صفحته أو ينشر صورة من عزاء أو جنازة تتم وفقا للإيمان المسيحى فتجد الكثير من التعليقات تحمد الله على نعمة الإسلام!
أخيرا كتب أحدهم يرفض بعض الفتاوى السلفية التى تحرم عدم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، فتجد نفس العبارة تغرق التعليقات رغم أن الكاتب مسلم! بل وحتى الخبر الذى حمل إجازة شيخ الأزهر الشريف ومن قبله دار الإفتاء المصرية لتهنئة غير المسلم بعيده كون أن ذلك بنشر المحبة والسلام بين الناس وهى قيم جاء الإسلام بها لا ضدها، فتجد عبارات سخرية من الفتوى متذيلة بنفس العبارة «الحمد لله على نعمة الإسلام»!
وهكذا أصبحت العبارة تستخدم فى غير موضعها، فبدلا من شكر الله على النعمة، أصبحت تستخدم للاستهانة والاستهزاء كما أصبحت معبرة عن أمراض التدين الظاهرى السطحى فى مجتمعاتنا الذى هو فى حد ذاته تعبيرا عن أزمات مجتمعية وثقافية عميقة نعانى منها منذ عقود!
• • •
المؤلم أن ملاحظتى هى أن معظم من يردد هذه العبارة فى غير موضعها من الشباب والشابات صغيرات السن أو الرجال دون الخمسين من العمر، وهو ما يعنى أنه فضلا عن أجيال معاصرة راحت ضحية الخطابات السلفية الراديكالية وفقدت فرص الاستمتاع بالعيش المشترك والسلام المجتمعى ومن قبله السلام النفسى، فإن أجيالا جديدة تتشكل على نفس هذا الوعى المتطرف وأن مجتمعاتنا ستعانى مجددا من الاستقطابات الدينية والمجتمعية!
هذا التوجه الذى لا يعترف بوجود الآخر ويسخر منه ويحاول بكل ما أوتى من قوة فرض سيطرته وهيمنته على المجال العام لمجرد أنه أكثر عددا أو استغلالا لظروف سياسية يقوده مجموعة من دعاة مواقع التواصل وما أكثر بؤسا ما يكتبون مع ملايين تبتلع طعمهم وتؤيد منهجهم!
قطعا فإن الأزمة ليست فقط فى استخدام العبارة هذه فى غير موضعها، ولكنه مجرد مثل من عشرات الأمثلة للخطاب الإسلامى الذى تنتجه بعض هذه التيارات متشددة الفكر والقول والفعل وهو خطاب يعيد إنتاج أزمات الاحتقان المجتمعى ويضع مزيدا من العراقيل أمام فكرة المواطنة والوطن اللذين نحاول البحث عنهما أملا فى مستقبل أفضل يبدو بعيدا بكل أسف!
والحقيقة وبغض النظر عن مصنع إنتاج مثل هذه الأفكار والتصرفات لأنهم فى النهاية تجار دين بالجملة والتجزئة، فلا أفهم ما هو تصور الشخص الذى يردد مثل هذه العبارات فى سياق احتفالات الآخرين بأعيادهم أو مشاركة غيرهم مناسبتهم أو التعبير عن عقائدهم؟ هل هذا يمكن أن يكون بالفعل طريقا لهداية أو لدعوة الآخر إلى الإسلام؟ أم هو طريق لتنفيره من الإسلام وكرهه وكره من يدين به حتى لو لم يتم التعبير عن ذلك صراحة خوفا من البطش؟!
تخيل أنك كمسلم تحتفل بعيد الفطر أو عيد الأضحى فى بلد أجنبى فيه أغلبيات عددية غير مسلمة، فجاء لك أحدهم وبدلا من تهنئتك قال لك «المسيح هو الحق»! أو ردد أمامك عبارة «الحمد لله على نعمة الصليب»! أو تعمد أن يردد آيات من دينه تقول بأن الإسلام دين غير صحيح؟ هل ستشعر بالسعادة والرضا، أم ستشعر بالحنق والغضب الذى قد لا تتمكن من التعبير عنه لأنك أقل عددا؟
الحقيقة أن هناك فرقا كبيرا بين استخدام الدين كوسيلة للتقرب إلى الله، ونشر قيم العدل والحق والمحبة والسلام، وبين أن يتم استخدام الدين كأداة لفرض الإتاوات المجتمعية أو لإذعان الأقليات العددية، أو للتجارة بالجنة والنار وغيرها من أمور ما بعد الدنيا! هناك فرق بين أن يرى الآخر دينك يحتويه ويحترمه وبين أن يرى دينك أداة لقلة الذوق والتقليل منه والاستهانة بمعتقداته! والأهم من كل ذلك أن هناك فرقا كبيرا بين حمدا لله على النعم شكرا وعرفانا وامتنانا لله، وبين حمده كباب للمكايدة والاستهزاء والرفض وقلة الذوق وربما قلة التربية أيضا!
حسنا يفعل شيخ الأزهر حينما لا يستجيب لابتزاز التيارات السلفية له ولمنهجه، وحسنا تفعل دار الإفتاء على موقعها الإلكترونى حينما تصر على أن تكون الفتوى معبرة عن الوسطية بغض النظر عن التعليقات اللاذعة والحملات الإلكترونية التى تتعرض لها، ولكنى أتمنى أن نفهم أن أمورا مثل تهنئة غير المسلم بدينه أو تعزيته فى مصابه أو الدعاء بالرحمة لموتاه هى فى الأصل ليست أمورا محل معايير الحلال والحرام، ولكنها تخضع لمعايير الذوق أو انعدام الذوق، التربية أو قلة التربية، التحضر أو التخلف، ففى النهاية الدين لك والمجتمع للجميع!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved