العلم والتطبيق

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 14 يناير 2023 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

العلوم عادة تولد لحل مشكلة على الأرض أو لإرضاء فضول بشرى، لذلك نرى الكثير من العلوم والتكنولوجيات تولد فى رحم الحروب والأزمات. تطبيق العلم لحل مشكلة هو ما نسميه التكنولوجيا واستخدام التكنولوجيا لحل مشكلة صغيرة مختلف عن استخدام نفس التكنولوجيا لحل مشكلة أكبر أو على نطاق أوسع، إذا هنا طريقان يجب السير فيهما: الطريق الأول هو الوصول من العلم إلى التكنولوجيا التى تستخدم هذا العلم فى حل مشكلة أو إعطاء خدمة، الطريق الثانى هو استخدام تلك التكنولوجيا على نطاق واسع. كما رأينا فى السنوات الأخيرة فى إيجاد علاج وفاكسين للكوفيد، العلم هو علم الفيروسات الذى يدرس ماهية الفيروسات وكيفية ظهورها وانتقالها وتحورها وكيفية العلاج والوقاية منها، أما التكنولوجيا فهى تصنيع علاج وفاكسين للكوفيد، الخطوة الثانية هى انتاج هذه التطعيمات والعلاجات بكميات كبيرة تغطى أهل الأرض جميعا تقريبا، لكل خطوة صعوبتها وتحدياتها. هذا المقال هو «دردشة» عن العلاقة بين العلم والتطبيق أى العلم والتكنولوجيا.
تخيل وجود خريطة للطرق لمدينة كبيرة مثل القاهرة نريد دراساتها للإجابة عن سؤال مثل: ما هو اتجاه سير السيارات فى كل شارع بحيث نقلل بنسبة كبيرة الاختناقات المرورية؟ أو سؤال مثل: هل يجب توسيع هذا الشارع أو ذاك من أجل تقليل الحوادث وكذلك تقليل الاختناقات المرورية؟ تخيل أننا نريد أن ندرس كيفية انتشار الشائعات على موقع تواصل اجتماعى مثل الفيسبوك عن طريق دراسة شبكة علاقات الناس ببعضها أى من على تواصل مع من على تلك الشبكة الاجتماعية أو ما نسميه قائمة الأصدقاء لكل شخص. تخيل أننا نريد أن ندرس طريقة عمل المخ البشرى بكل خلاياه العصبية وكيفية اتصال كل خلية عصبية بالخلايا الأخرى. ما العلاقة بين كل تلك الأمثلة؟ إذا تأملناها بدقة ستجد أنها كلها متعلقة بدراسة مجموعة من النقاط (ميادين فى المدينة أو أشخاص على مواقع التواصل أو خلايا عصبية) متصلة ببعضها البعض عن طريق خطوط (شوارع المدينة أو صداقة بين شخص وآخر على موقع التواصل أو شُعب توصل ما بين الخلايا العصبية)، هناك علم فى الرياضيات يسمى علم المخططات أو (graph theory) يدرس تلك الأشياء، إذا علم واحد قد يكون له أكثر من تطبيق ويقود إلى أكثر من تكنولوجيا. البراعة هنا هى كيفية استخدام هذا العلم لحل تلك المشكلات المختلفة؟ هى أشياء قد رأيناها أيام الدراسة فى المدرسة والجامعة لكننا لم ننتبه لها: عندما تدرس قانونا فيزيائيا مثلا مثل قوانين الحركة ثم تأتى التمرينات بأمثلة مثل سيارة تسير بسرعة كذا على أرض مائلة بزاوية كذا إلخ أو دراجة تسير على منحدر إلخ إذا هى تطبيقات مختلفة لنفس القانون. لكن كيف ننتقل من العلم للتكنولوجيا؟
علم المخططات على سبيل المثال كى نستخدمه لدراسة شوارع مدينة ما يستلزم تصميم برمجيات لمحاكاة المرور فى الشوارع ثم جمع بعض الإحصاءات ودراستها للوصول إلى الحل ويتم ذلك على أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة. أى أننا نحتاج تكنولوجيا البرمجيات وتكنولوجيا تصميم الحاسبات من أجل ابتكار تكنولوجيا جديدة لتحليل شوارع المدن لدراسة الحوادث والاختناقات المرورية. أى أننا نستخدم تكنولوجيا نمتلكها بالفعل لإنتاج تكنولوجيا جديدة. هذا معناه أنه كلما تقدمنا فى التكنولوجيا كلما تسارعت وتيرة إنتاج تكنولوجيات جديدة، وهذا يفسر كيف أن التقدم التكنولوجى فى المائة عام الأخيرة من تاريخ البشرية أسرع بمراحل من المائة عام التى قبلها والتى بدورها أسرع من المائة عام التى قبلها إلخ.
نأتى إلى نقطة استخدام تكنولوجيا ما على نطاق واسع، هناك مثلا برمجيات تعمل بشكل جيد إذا استخدمها عدد قليل من المستخدمين لكن لو استخدمها عدد أكبر قد تفشل، تخيل مثلا لو الفيسبوك تم تصميمه وتجربته على مائة شخص لكن لو زاد العدد إلى ألف أو مليون أو مليار سيفشل، كانت الشركة ستفلس، أو مثلا لو كان انتاج تطعيمات للكوفيد بكميات كبيرة غير ممكن، ستكون كارثة. الإنتاج على نطاق واسع يستلزم طرق تصنيع أفضل وأسرع وأرخص بالإضافة إلى الحصول على سلاسل إمداد للمواد الخام ثم للتوزيع، هذا بالنسبة للتطعيمات. بالنسبة للبرمجيات فيجب برمجة التطبيقات بطرق مختلفة ثم استخدامها على أجهزة كمبيوتر أقوى ثم اختبارها بطرق أكثر تعقيدا إلخ.
هناك مشروعات تخرج للطلبة فى مرحلة البكالوريوس عندنا فى مصر، إذا أتقنا خطوة الانتقال من استخدام التكنولوجيا على نطاق ضيق (مشروع التخرج) إلى الاستخدام على نطاق واسع فسنحصل على نتائج جيدة جدا، أيضا التعاون بين كليات العلوم والهندسة مثلا قد يأتى بنتائج جيدة فى الانتقال من النظريات للتطبيق، فلنحاول.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved