لا يختلف عن البقية!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 14 فبراير 2020 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

نظرا لأن رئيس مجلس السيادة السودانى الفريق أول عبدالفتاح البرهان، حديث عهد بالسياسة، فلم يصل بعد إلى مرحلة تزيين الكلمات أو تجميل المواقف، لكنه اختار تسمية الأشياء بمسمياتها ومن دون لف أو دوران، خصوصا عند الحديث عن التطبيع مع إسرائيل، وهو موقف لا يختلف كثيرا عما يؤمن به غالبية الحكام العرب، لكن مع الفارق أن هؤلاء الحكام يضعون مساحيق تخفى قناعاتهم الراسخة بأن القضية الفلسطينية أصحبت عبئا يجب التخلص منه فى أقرب وقت، وبأى ثمن حتى لو كان بخسا وغير عادل.

البرهان قال فى مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» يوم أمس الجمعة إن لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى أوغندا، فى الثالث من الشهر الحالى، أتى «فى إطار بحث السودان عن مصالحه الوطنية والأمنية»، مشيرا إلى أن «تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل يلقى تأييدا شعبيا واسعا، ولا ترفضه إلا مجموعات أيديولوجية محدودة، فيما تقبله بقية مكونات المجتمع»، مؤكدا «وجود دور إسرائيلى فى قضية رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب».

تصريحات البرهان أصابت الحقيقة فى مواضع، وابتعدت عنها فى مواضع أخرى، لكنها لا تبتعد كثيرا عن مواقف العديد من الدول العربية التى يبدو أنها وصلت إلى قناعة بأن حل هذه القضية حلا عادلا قائما على قرارات الشرعية الدولية، لن يكون متاحا فى هذا العصر، وبالتالى فإن أى تسوية ولو ظالمة أو غير عادلة مثل صفقة القرن، قد تكون الحل السحرى من هذا «الصداع» الذى تتعرض له منذ نصف قرن.

عودة إلى كلام البرهان، فقد قال إن «اللقاء مع نتنياهو أتى فى إطار بحث السودان عن مصالحه الوطنية والأمنية»، وهو تصور حقيقى لأن العديد من الدول العربية ترفع هذا الشعار منذ زمن بعيد، وتسعى لخطب ود الكيان الصهيونى لإرضاء الولايات المتحدة، التى توفر لها الحماية والسلاح.

فالإدارة الأمريكية لم تشعر فى يوم من الأيام، وتحديدا فى عهد ترامب بالقلق من قراراتها الجائرة بحق الفلسطينيين، لأن السلاح الذى يقاتل به العرب بعضهم البعض، أو الذى تقمع وتقهر به بعض الأنظمة العربية شعوبها، هو سلاح أمريكى يتهافت العرب والمسلمون على شرائه يوميا بمليارات الدولارات.

أما بالنسبة للتجارة، فإن بيانات مكتب الإحصاءات الأمريكية، ذكرت أن حجم تجارة الولايات المتحدة مع الدول العربية والإسلامية الأعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى، بلغت خلال العام 2016 نحو 224.5 مليار دولار، وبالنسبة للسندات وأذون الخزانة، فقد كشفت وزارة الخزانة الأمريكية، أن هناك 11 دولة عربية تستثمر 267.6 مليار دولار فى سندات الخزانة الأمريكية، وتأتى على رأسها المملكة العربية السعودية، باستثمارات تبلغ 136.7 مليار دولار، وبنسبة تمثل 51 % من إجمالى الاستثمارات العربية، تليها الإمارات بـ 54.3 مليار دولار، والكويت بـ 38 مليار دولار.

هذه المعطيات جميعا، تدفع ترامب إلى اتخاذ مثل هذه القرارات والمواقف من دون خوف أو تردد، لأنه يدرك أن الدول العربية والإسلامية، ليس لديها القدرة على مقاطعة السلاح الأمريكى أو وقف التجارة أو سحب الاستثمارات أو التوقف عن شراء المنتجات التى يتم تصنيعها فى الولايات المتحدة.

هذه المعطيات أيضا، جعلت لدى البرهان قناعة راسخة بـ «وجود دور إسرائيلى فى قضية رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب»، وهو أمر صحيح بالتأكيد، لكن الشىء غير الصحيح حديثه عن أن «تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل يلقى تأييدا شعبيا واسعا»، إذ إن الشعب السودانى شأنه معظم الشعوب العربية والإسلامية، لديه تعلق وارتباط كبيران بالقدس المحتلة بشكل خاص وبالقضية الفلسطينية بشكل عام، ويرفض رفضا كاملا وجود الاحتلال الصهيونى فى هذه الأرض وغيرها من الأراضى العربية.

نستطيع لوم البرهان على مواقفه من التطبيع ــ وهو بالتأكيد لوم مستحق ــ، لكنه يجب أيضا لوم البقية سواء كانت أنظمة عربية أو جماعات سياسية أو دينية، تاجرت على مدى عقود بالقضية الفلسطينة، ولم تقدم لها دعما حقيقيا يذكر، وعلى الشعب الفلسطينى الاعتماد على نفسه من أجل إرجاع أرضه ومقدساته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved