جمال أسعد وأيامه

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 14 فبراير 2023 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

جمال أسعد تختلف معه، ولكن لا تختلف عليه. فهو سياسى مصرى قبطى وطنى، لم يرث السياسة مثل الارستقراطية القبطية، ولم يدخلها من باب الثروة، بل هو شخص غير نخبوى تربى فى صعيد مصر، ولا يزال يحمل بصمته فى شخصيته، اجتهد وصنع نفسه بعمله. عاش نزيها، لم يضبط فاسدا أو متربحا أو مستفيدا من المال العام، رغم أن فرصا عديدة اتيحت أمامه عندما كان عضوا لفترات فى البرلمان، واشتغل لسنوات طويلة بالعمل العام. ظل قابضا على مبادئه أيا كانت درجة اتفاقك أو اختلافك معها. على المستوى الشخصى أشعر بالارتياح حين اتحدث معه، رغم عدم اتفاقى مع بعض آرائه، لأنه شخص واضح لا يلتوى، وصادق لا يدعى، هذا بخلاف شخصيات تبدو متفقة معك فى الأفكار، لكنها ملتوية المشاعر والاتجاهات والأغراض! لاحظت فى الشهور الأخيرة أنه يكتب ذكريات له فى مقالات أو تدوينات على صفحته على فيسبوك، فاقترحت عليه ان يكتب مذكراته، وقد فعلها، واصدرها تحمل عنوان أيامى.
من أبرز القضايا التى اشتهر بها حديثه الدائم عن ان الكنيسة لا يجب أن تمثل الاقباط فى المجال العام، ولا تستحوذ طائفيا عليهم، وتقصر رسالتها على المجال الدينى. وله كتاب شهير بعنوان «من يمثل الأقباط.. الدولة أم البابا؟»، صدر فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، وكتب عشرات المقالات، وصدر عنه تصريحات عديدة تؤكد موقفه. من حيث المبدأ لا أحد يختلف على أن المواطن يجب أن تمثله الدولة، وليس أى كيان آخر سواء كان مؤسسة دينية أو تجمعا قبليا، أو ما شابه. ولكن مبعث الاختلاف فى وجهة النظر لا يتصل بالمبدأ، الذى ينبغى تحقيقه، ولكن يتصل فى الأساس بالظروف التى آلت إلى أن تصبح كل المؤسسات فى حالة ارتباك، ولا تؤدى أدوارها المرسومة، بل تقوم بأدوار تخص مؤسسات أخرى. فى فترة حكم الرئيس مبارك، التى نشط فيها جمال أسعد، كان هناك خلط شديد فى الأدوار المؤسسية. والأمثلة كثيرة ومعروفة. نقابة تلعب سياسة، وحزب موصدة امامه الأبواب، ودولة تتراجع عن أداء وظائفها الاجتماعية، ومؤسسة دينية، إسلامية ومسيحية تقدم خدمات رعائية لأبنائها، وجماعة دينية دعوية تمارس السياسة، بل تغلب السياسة على الدين. وليس أدل على ذلك، أن الإخوان المسلمين كانت لهم قوائم سياسية تخوض الانتخابات، وهى جماعة دينية محظورة قانونا، تخلط الدين بالسياسة، وقد خاض جمال أسعد الانتخابات البرلمانية على قائمة تحالفت فيها أحزاب سياسية منها حزب العمل الاشتراكى، الذى كان عضوا به، مع حزب الأحرار والإخوان المسلمين، وذلك رغم ما ذكره أنه لم يكن موضع ترحيب من الإخوان المسلمين.
لا أظن أن الطائفية خيار لأحد. حين يتسع الوطن لكل مواطنيه، لا يميل الناس إلى الحيز الاضيق، تاركين الفضاء الأوسع. إذا اتهمنا الكنيسة فى فترة من الفترات بأنها تعزل الأقباط، فلماذا لم يستوعبهم الوطن، كما لم يستوعب غيرهم من المواطنين؟ ولماذا حين كانت تشتعل التوترات الدينية، كانت الدولة تبحث عن الكنيسة، والعكس صحيح؟
أتفق بالتأكيد مع جمال أسعد فى أن كل مؤسسة لها دورها ورسالتها، ودور الدولة أعم وأشمل، ولكنها ــ فى رأيى ــ ليست مشكلة الكنيسة، بقدر ما هى أزمة دولة، وهناك مؤسسات أخرى عديدة لعبت أدوارا ليست لها بسبب هذه الأزمة. الآن الوضع صار مختلفا. عندما بدأت الدولة فى السنوات الأخيرة تطلق مبادرات التنمية الكبرى، وتهتم ببرامج الحماية الاجتماعية للمواطنين كافة، وتتبنى خطاب المواطنة الذى يستوعب مختلف مكونات المجتمع، اختلف بالتأكيد موقع الكنيسة فى المجال العام رغم استمرار دورها الاجتماعى والوطنى الهام لأنه لا يزال هناك طلب عليه. وكلما توسعت الدولة فى استيعاب مواطنيها، ونشطت المؤسسات السياسية والثقافية والاجتماعية، تعود المؤسسة الدينية إلى وظائفها الدينية والرعائية والعلمية.
لا أظن أن جمال أسعد يختلف مع ما ذكرت، وأظن أنه يمثل حالة سياسية مهمة، عصامى التوجه، منفتح على تيارات متعددة فى الحياة السياسية، وهى حالة اتمنى أن يكون عليها كل الأقباط لأن انتشارهم فى الحياة العامة، وامتزاجهم فى المجتمع، سياسيا، ومهنيا، وثقافيا واجتماعيا هو الضمان الحقيقى لبناء وطنى قوى، وحصانة ضد تيارات سياسية تريد أن تعيد الدولة إلى عصور غابرة، وتفرق بين المواطنين على أساس المعتقد الدينى.
جيد أن يكتب جمال أسعد مذكراته فى هذا التوقيت، ونتناقش حولها، وسوف أعود إليها مجددا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved