البسطاء يمتنعون

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 15 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

ابتليت الثورة المصرية بحفنة من مدعى الثورية ومناضلى شاشات الفضائيات وأعمدة الصحف، الذين يتاجرون بالبسطاء من أبناء هذا الشعب فى كل وقت وحين. فعندما يحتاجون إلى هؤلاء البسطاء لكى ينزلوا إلى الشوارع ويتقدموا الصفوف فى المواجهات الدامية مع الشرطة والجيش ليقتل منهم من يقتل ويصاب من يصاب، فتسمع قصائد المديح فى هؤلاء الشباب الوطنى البسيط، ولكن عندما يحين وقت ممارسة حق الاختيار السياسى فإن هذه الحفنة ترفع شعار «البسطاء يمتنعون» وتتعالى الأصوات التى تحط من شأن الغالبية العظمى من الشعب بدعوى أنها إما جاهلة أو مضللة ولا يمكنها الاختبار السليم إلى الدرجة التى رأينا فيها أحد الأصوات يطالب بأن يكون صوت المواطن غير المتعلم فى الانتخابات بنصف صوت المواطن المتعلم.

 

إن هؤلاء الناس الذين احترفوا المتاجرة بالشعارات والأحلام والوقوف وراء الجماهير بعيدا عن مخاطر المواجهات الدامية فى الشوارع وقريبا من شاشات الفضائيات المنتشرة يجب أن يتوقفوا عن تحقير الشعب وإهانة بسطائه باتهامات بلا أساس.

 

فإذا ما اختار الناس المرشح البرلمانى الذى وصل إليهم فى قراهم وحواريهم الضيقة التى لا تصلها كاميرات الفضائيات فإنهم جهلة باعوا أصواتهم بزجاجة زيت أو بصك غفران يضمن لهم الجنة.

 

 وإذا ما جنح خيال مواطن بسيط بعد الثورة ونجاحها وقرر أن يذهب إلى اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة لكى يسحب أوراق الترشيح ويختبر حقيقة أنه أصبح مواطنا له الحق فى الحلم فإنه يصبح من وجهة نظر هذه القلة البائسة مأجورا ومدفوعا من جهات عليا لتشويه صورة الثورة التى يجب أن تظل لامعة من خلال تلك الوجوه «المتلمعة» دائما.

 

إن ثورة 25 يناير ما كان لها أن تكون ثورة لو لم تنزل جحافل الشعب من «العامة والدهماء» إلى الشوارع وتتصدى لقوات الأمن على امتداد مصر، أما الادعاء بأن الثورة لم تكن إلا فى ميدان التحرير وعلى فيس بوك فهو ادعاء كاذب تماما، ليس هذا فحسب بل إن أغلب الشهداء والمصابين هم من البسطاء الذين لم يشاركوا فى فعالية سياسية قبل 25 يناير ولم يمارسوا عملا احتجاجيا ولا امتلكوا حسابا على فيس بوك قبل هذا التاريخ.

 

البسطاء ثاروا وأسقطوا نظام مبارك من أجل حقهم فى الاختيار وفقا لقواعدهم وليس وفقا لقواعد مجموعة من «أثرياء الثورة» ومحترفى نضال الفضائيات والمؤتمرات والمسيرات المصورة تليفزيونيا والمنقولة عبر الهواء مباشرة.

 

وللبسطاء الآن الحق فى أن يختاروا من يشاءون وأن يحلموا بما يشاءون حتى إذا كان الحلم هو حلم الترشح فى انتخابات الرئاسة سواء ركب الحالم دراجة أو ارتدى شبشبا عند لجنة الانتخابات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved