خفة الظل فى انتخابات الرئاسة

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 14 مارس 2012 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

أتابع، مثل بعض المواطنين، تطورات الحملة الانتخابية للمرشحين المحتملين لمنصب رئاسة الجمهورية المصرية، وأتابع صدى هذه التطورات عند المواطنين. لا أسأل المواطن إن كان يتفق أو يختلف مع ما يسمعه من هذا المرشح أو ذاك، ولا أسأل إن كان معجبا بتصرفاته وسلوكياته خلال الحملة أو معترضا عليها، جميعها أو بعضها. لا أسأله إن كان يراه يستحق المنصب ويعرف كيف يحميه ويستخدمه لصالح كل المواطنين وليس فقط لصالح فئة دون أخرى أو طبقة أو طائفة؟

 

إنما أسأل المواطن إن كان يجد المرشح للرئاسة خفيف الدم أم يجده بارد الحس ثقيل الظل.

 

●●●

 

أتابع فى الوقت نفسه الحملة الانتخابية لمنصب رئاسة الجمهورية الأمريكية، ووجدت نفسى مؤخرا أقف مطولا أمام التقارير الصحفية التى تحلل شخصيات المرشحين وتستعرض رأى المواطن الأمريكى العادى فيها. فوجئت، وأنا أقرأ التقارير بأن خفة ظل المرشح تلعب دورا مهما فى المنافسة بين المرشحين، وبالبحث تأكدت أنها لعبت بالفعل فى انتخابات كثيرة سابقة دورا حاسما فى فوز أو هزيمة المرشحين.

 

الأمثلة كثيرة فى تاريخ الانتخابات الأمريكية، فقد تسبب ثقل ظل المرشحين دوكاكيس فى انتخابات عام 1998 وآل جور فى انتخابات عام 2000 وجون كيرى فى انتخابات عام 2004، فى خسارتهم الانتخابات. بينما ينسب كثير من الفضل فى فوز رونالد ريجان على جيمى كارتر فى انتخابات عام 1980 إلى خفة دمه، ولعل بعض أبناء جيلى يذكر كيف كان ريجان يتصرف فى تلك الحملة، كما كان يتصرف فى حياته العادية التى قضى أغلبها فى ضاحية هوليوود، على عكس جيمى كارتر الرجل الرزين القادم من ولاية تزرع الفول السودانى وتتاجر فيه.

 

هناك أيضا من يقارن بين بوش الأب الذى لم ينجح فى تجديد ولايته وبوش الابن الذى فاز مرتين. كان الأب يبدو دائما فى أزهى حلة يسلك سلوك الارستقراطية ولا يكثر من الابتسام ولا تفلت منه كلمة ساخرة أو نكتة، بينما الابن دائم الابتسام، وإن أحيانا ببلاهة شديدة، وفى يده ما يعتبره الكثيرون تقليدا شعبيا أمريكيا، زجاجة بيرة لم تفارقه خلال الحملة الانتخابية.

 

●●●

 

أعترف أننى لم أجد حتى الآن بين المرشحين من الحزب الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية من تنطبق عليه صفة خفة الظل أو سرعة البديهة أو روح السخرية أو القدرة على التماهى مع غالبية المواطنين. لا أميل إلى الرأى القائل بأن طبيعة المرشحين جميعا كمحافظين، وبعضهم محافظ إلى درجة الرجعية، وكمتدينين شديدى التدين، تفسر التشابه فى طباعهم وخفة أو ثقل ظلهم، ومع ذلك يبدو منطقيا أن الناخبين لا يتوقعون من مرشح مثل ريك سانتورام لا يفترق عن الكتاب المقدس ومحاط بصور القديسين والسيدة العذراء، أن يكون قادرا على استخدام بعض الفكاهة فى خطاباته الانتخابية وحواراته مع الناخبين والصحفيين.

 

هناك مرشح آخر، رجعى إلى حدود العنصرية والتعصب، معروف بأنه معتز بنفسه، بل شديد الاعتزاز، لا يرى من حوله إلا نفسه، ولا يسعد بحديث إلا عن نفسه، يضع نفسه قبل كل شىء وفوق كل شىء، إلى درجة أنه أحيانا يبدو عاجزا عن التحكم فيها، أى فى نفسه. مثل هذا المرشح لا يمكن أن يكون خفيف الظل، حتى لو أراد.

 

أما أثقل المرشحين دما، فى رأيى ورأى محللين آخرين، فهو ميت رومنى المرشح الأوفر حظا فى الفوز بتمثيل الحزب الجمهورى منافسا لباراك أوباما فى الانتخابات المقبلة. يتمتع رومنى بوجه وسيم وابتسامة عريضة، إلا أنه ينظر إلى الناس بعيون باردة ويتحرك كإنسان آلى، الأمر الذى يوحى للجماهير أنها أمام آلة من الخشب أو لوح من الثلج.

 

رومنى معروف لدى الناخب بأنه المرشح الذى لا يتكلم بدون ورقة توضع أمامه يقرأ منها، حتى أنه فى آخر مناظرة تليفزيونية طلب المذيع من المرشحين أن يصححوا صورا تسىء إلى سمعتهم، وحين وصل الدور فى الحديث إلى رومنى راح كعادته يقرأ كلاما معدا سلفا لا علاقة تربطه بما طلبه المذيع، الأمر الذى دفع بالمذيع إلى التدخل طالبا منه التوقف. ولكن لم يتوقف رومنى بل على العكس اندفع ثائرا يهاجم المذيع قائلا: أنت هنا لتسأل وأنا أجيب، أجيب بما أريد ولا شأن لك بإجابتى.

 

لم ينتبه رومنى إلى أن الصورة السيئة عنه التى دعاه المذيع لتصحيحها هى أنه لا يخرج فى خطاباته وإجاباته عن النصوص المعدة له سلفا.

 

●●●

 

يؤكد محللون أمريكيون أن أحد أهم أسباب فوز بيل كلينتون وباراك أوباما هو خفة ظل كل منهما واستعداده لأن يفعل كل ما من شأنه أن يجعله قريبا من الناخبين. كلينتون، مثلا، كان يعزف للجماهير الساكسوفون فى بعض محطاته الانتخابية، وأوباما كان يغنى أغانى «البلوز» التى اشتهر السود الأمريكيون بها، قارن بين هذين الرجلين وميت رومنى الذى يلقى على الناخبين فاصلا من النشيد القومى الأمريكى ودروسا فى الوطنية.

 

كتب أحد المعلقين الساخرين يقول إن ظريفا من الظرفاء اقترح أن يفعل المرشح رومنى مثل الرئيس فلاديمير بوتين الذى تعمد أن يظهر خلال الحملة الانتخابية بدون ملابسه الخارجية وعارى الصدر، وأن ظرفاء آخرين تدخلوا لمنع رومنى من الأخذ بهذا الاقتراح خشية أن يظهر فى الصور بسرواله التقليدى الذى يصل إلى تحت الركبة متمسكا بتقاليد ديانته المورمونية.

 

●●●

 

سيقولون إن ثقافتنا وتقاليدنا وظروفنا مختلفة، وإن لهم أساليبهم فى الانتخابات ولنا أساليب. وأقول إن شعبنا يقدر النكتة ويتمنى، بل ومن حقه، أن يحظى بحملة انتخابية خفيفة الظل.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved