الحقيقة مجردة أبيض و(إن غلب عليه) الأسود

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: السبت 14 مارس 2015 - 1:00 م بتوقيت القاهرة

حينما علمت أن هناك طبيبة قد تخصصت فى العلاقات الأسرية الحميمية وأنها قد افتتحت عيادة خاصة بها شعرت بارتياح شديد فنحن بالفعل ينقصنا هذا التخصص الذى يختلف كثيرا عما يمارسه الزملاء إخصائيو الأمراض التناسلية. حينما علمت أنها محجبة زاد ارتياحى فهذا على الأقل يرفع عنها حرجا ويسبغ عليها حصانة ربما لا تتمتع بها طبيبة سافرة. لكن ارتياحى تحول إلى بعض من الريبة حينما عرفت أنها ترد على سائليها فى برنامج على التليفزيون بل وتتلقى مكالمات من الرجال والنساء على حد سواء. إلى أن كان أن رأيتها ضيفة فى حلقات خاصة لبرنامج صاحبه حائز على جوائز مرموقة وله تاريخ فى محاورة شخصيات عامة ورموز مجتمعية مهمة!
الجنس أمر يعادل فى أهميته الطعام للإنسان منذ بدء الخليقة. لكن ليس هكذا على وجه الإطلاق تحل مشاكله أو تشرح مفرداته أو تدرس آدابه وسلوكياته. درست وعملت وعشت فى باريس وكندا وأمريكا لم يحدث أن شاهدت برنامجا تليفزيونيا يتحدث تلك اللغة أو يوغل فى تلك الممارسات الحميمية بتلك الصورة المكشوفة الخالية مما عرف عن الشرق من حياء.
إذا كانت العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة تناقش فى الغرب بعيدا عن مفهوم الأسرة وإنجاب الأطفال فإنها تناقش فى عيادات متخصصة تتمتع بحصانة قوية يمارس فيها النصيحة طبيب أنهى دراسة الطب ليبدأ فى دراسة علوم مختلفة مجتمعة تضمن له أن يحسن الإنصات ليتقن النصيحة. علوم الفسيولوجى والسيكولوجى والبيولوجى والهرمونات وسلوكيات الإنسان والصحة العامة والفلسفة. يلجأ إليها الرجل والمرأة معا والجلسات مغلقة والمناقشات مفتوحة بلا حدود لكن فى مكتب مريح مغلق. الحوار لا يتوقف والجلسات تتكرر والتجربة قابلة للصواب والخطأ والطبيب دائما هناك يصحح المفاهيم ويشرح الأخطاء ويسأل أسئلة مدروسة لتوجيه الطرفين.
ليس من السهل على وجه الإطلاق الحصول على ترخيص لمزاولة المهنة فى الدول التى تحترم الإنسان إلا بعد عدد من الامتحانات وسلسلة من حلقات التقييم وحتى إذا حصل عليها فمتابعة نتائجه مستمرة وسلوكه المهنى مراقب فهل يمكن على سبيل المثال أن طبيبا تخصصه الطب الشرعى أن يحتل تلك المكانة لمجرد تصوره أنه قادر على حل مشاكل الناس الجنسية؟!
لم أكن فى الواقع أنتوى الكتابة فى هذا الموضوع. فلا أنا رقيبة على زملائى ولا نقادة لما يفعلون. لكنى لم أقاوم هذه المرة حينما طالعت على شبكات التواصل الاجتماعى أن هناك رجلا قد قام بخنق زوجته فى الفراش حينما استمعت لنصيحة مستشارة العلاقات الأسرية فنهته عما دعاها إليه!!!
هذا أمر بلا شك شديد القسوة على النفس: انتهت حياة زوجة وأم مقابل نزوة منحرفة لرجل مختل، أما الكارثة فالخبر الذى وصف حال المستشارة بأنها أصيبت بانهيار عصبى وحالة من هستيريا البكاء وهى تهذى: ليتنى عرفت لنصحتها بأن تطلب منه الطلاق!
لم أشأ أن أدخل فى أى تفاصيل فالقضية أهم بكثير ولا مساحة لدى للإثارة أو الألوان إنما هى الحقيقة مجردة أبيض وإن غلب عليه الأسود.
إذا أردنا تعليم الناس وإعادة بناء البشر يجب أن يتولى ذلك من لديهم القدرة عليه. من لديهم الرؤية والمؤهلون. العلم أولا وأخيرا أما الإعلام فلا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved