ثقافة «السيلفى» تجتاح المؤسسة العسكرية

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الإثنين 14 مارس 2016 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

أحداث بن قردان، فى الجنوب التونسى حُللت من مناظير مختلفة سياسيا واجتماعيا وإعلاميا واقتصاديا وغيرها وهو أمر مفهوم باعتبار أن هذه العملية الإرهابية عُدت نوعية تختلف عن الهجمات الأخرى إن كانت على مستوى العدد: عدد الإرهابيين وعدد الشهداء أو التوقيت أو رد فعل القوات الأمنية وتأثيرها فى الرأى العام التونسى والعالمى.

ومن المهم بمكان التوقف عند حادثة أثارت جدلا فى المجتمع التونسى، تمثلت فى إقدام أحد الجنود على أخذ صورة شخصية «سلفى» مع جثث الإرهابيين.

لقد تم تداول هذه الصورة بسرعة ملفتة للانتباه على مواقع التواصل الاجتماعى و«رحب» بها أغلب الفيسبوكيين وأعادوا نشرها مبررين ذلك بأنها عنوان فخر المؤسسة العسكرية، إذ يحق لجنودنا البواسل أن يعبروا عن مشاعر الفخر والاعتزاز بعد القضاء على «أعداء الوطن». وهكذا ساهمت هذه الصورة فى رسم الحدود بين النحن والهم من جهة، والإشادة بالنصر الذى تحقق على أيادى الجنود من جهة أخرى. كما أن نشر «السلفى» شجع عددا من الفيسبوكيين على الانخراط فى «احتفالية مشهدية» خاصة التباهى بعرض مشاهد جثث الإرهابيين وتبدى مشاعر التشفى دون أدنى حرج. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ انقسم الفيسبوكيون وغيرهم من التونسيين إلى معسكرين: المرحب بالفكرة والداعم لتصرف الجندى والمنتقد لهذا السلوك الطارئ على المؤسسة العسكرية ككل والمجتمع التونسى بصفة خاصة. وذهب أحدهم إلى حد طباعة هذه الصورة على قمصان وبيعها لمن يريد أن يدافع عن حق الجنود فى أخذ صور «السلفى» مع جثث الإرهابيين.

***
تثير هذه الحادثة مجموعة من الإشكاليات نجمعها فى الآتى:

ــ اجتاحت ثقافة «السلفى» المعبرة عن ولع بالذات يصل حد النرجسية المؤسسة العسكرية فبات من «الطبيعى» و«المقبول» لدى أغلبهم أن ينهى الجندى واجبه بتوثيق العملية وإخبار الآخرين عن منجزه وتخليد نصره، وبيان كيفية دحر الإرهابيين. وليس صمت المؤسسة العسكرية، وهى التى تعرف بضوابط سلوكية صارمة، إلا علامة على تحول جديد فى عقلية المسئولين عن إدارة العاملين بها. فهل يعنى هذا أن زمن محاربة الإرهاب يسمح ببعض التصرفات التى تخرق القوانين الداخلية؟

ــ عادة ما انتقد الدارسون بروز ظاهرة الولع بالسلفى فى مجتمعات ما بعد الثورات، مؤكدين أنها سلوك يتماهى مع النرجسية الأنثوية و«الفراغ» الذى تعيشه بعض الفتيات والنسوة، فبدل أن ينضممن إلى العمل التطوعى والانتماء إلى مختلف أنشطة المجتمع المدنى «يهدرن» وقتهن فى التمركز على الذات. ولكن تصرف الجندى أثبت أن المسألة تتجاوز الإناث إذ اهتم بها الذكور أيضا بل الجنود الذين من المفروض أن يعكسوا الذكورة المعسكرة، أى المهيمنة التى تروج لها المؤسسة.

ــ يبين هذا التصرف أن التدريب الذى يخضع له الشباب المجند فى السنوات الأخيرة حيث انفجار مواقع التواصل الاجتماعى وولع التونسيين بالفيسبوك لم يوفر معرفة تهيئ الجندى لفهم آثار تصرفه وخياراته الخاصة ولحظاته الحميمة على الآخرين، وخاصة على المؤسسة العسكرية التى ينتمى لها، وهو أمر يدعونا إلى التساؤل عن حظ علوم التواصل ودراسات الميديا فى التدريب العسكرى والأمنى.

ــ تثير مسألة أخذ الصور الشخصية مع جثث الإرهابيين المشوهة و«الغارقة فى الدماء» قضية أخلاقية. فكيف لمن يتحمل أذى الإرهابيين وتوحشهم وخروجهم من فضاء الإنسانية أن يغدو محاكيا لتصرفاتهم وسلوكهم وعنفهم الرمزى فهل أن الدواعش نجحوا فى أن يقتلوا الإنسانية فينا إلى درجة أن من يمثلون السلطة العسكرية والأمنية خرقوا كل الضوابط بما فيها المنظومة القيمية وكل ما يتعلق بأخلاقيات الصورة of image deontology؟ فعن أى نصر نتحدث حين يقلد الجندى الإرهابى؟

هذه بعض الإشكاليات المطروحة التى آثرنا الإشارة إليها فى هذا السياق الخاص، حيث الانفلات من الضوابط بات عادة يشرع لها البعض باسم الغضب والأسى وشدة الانفعال، فهل نبيح لأنفسنا ما ندينه فى الآخرين، وهل نبرر انفلات العقال بأن الحرب على الإرهاب تسمح بانتهاك كرامة الآخرين وحقوقهم؟

إننا متى لم نعقل تصرفاتنا سقطنا فى الترويج لثقافة العنف والتسلط والحال أننا ندعى مقاومتها.

أستاذة بالجامعة التونسية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved