زلة الزند

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 14 مارس 2016 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

لا أعتقد أن كلام وزير العدل المقال أحمد الزند فى برنامج الصديق حمدى رزق عن «حبس النبى»، هو السبب الحقيقى لإقالته. فالرجل اعتذر بوضوح عن «زلة لسانه»، كما أن رجال من الأزهر وحتى الدعوة السلفية نفسها دافعوا عنه من منطلقات دينية، بعد أن استغفر ربه جهرا وعلانية.

السبب المنطقى الوحيد لإقدام رئيس الوزراء ــ بتوجيهات رئاسية كما تردد فى الصحف ــ على إقالة الزند، هو أن الرجل أصبح عبئا على النظام، ليس فقط لخطئه فى حق النبى، ولكن لأنه فى الأساس ــ رغم جماهيريته الكبيرة وسط القضاة ــ غير مقبول شعبيا، ورغم حدته السياسية وتصريحاته العنيفة فإنه لم يمتلك «الكاريزما»، التى تمهد له الطريق أمام العمل العام بنجاح.

كانت للرجل تصريحات مستهجنة حول أن أولاد القضاة هم الأحق بالعمل فى سلك القضاء، كما قال كلاما غامضا حول الأحرار والعبيد فى المجتمع، فسرها هو شخصيا بعد أن أثارت لغطا كبيرا، بأنه يقصد معركة القضاء مع جماعة الإخوان الإرهابية، وحتى خصومه الذى شككوا فى ذمته المالية، واتهموه بالاستيلاء على أراضٍ بدون وجه حق فى مرسى مطروح، ونجحوا فى إثارة الجدل حوله، إلا أنه نجح ــ فى المقابل ــ فى الحصول على أحكام قضائية أكدت براءته من كل هذه الاتهامات، وتم اختياره وزيرا للعدل بعد ان كان رئيسا لنادى القضاة، فى شهادة واضحة من النظام على تهافت كل هذه الاتهامات.

ومع أن معركة الزند مع الإخوان، كانت كل رصيده السياسى الذى فتح أمامه أبواب اختياره كوزير للعدل فى ذروة مواجهة الدولة والشعب مع الجماعة، إلا أن حرب الزند على استبداد الجماعة وسياستها الظلامية، لم تكن فى إطار مشروع ديمقراطى تنويرى يتبناه الرجل، ويدافع عنه، فنحن لم نسمع منه كلاما سياسيا أو حتى قانونيا حول احترام التعددية الحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والتوزيع العادل للثروة الوطنية، واحترام حقوق الانسان، أو تنظيم حق الإضراب والتظاهر بقوانين ديمقراطية أو مناقشة تجاوزات وزارة الداخلية وخروقات أمناء الشرطة للقانون، أو غير ذلك من القضايا التى تتسق مع فلسفة معاركه مع الإخوان.

الزند قدم نفسه للرأى العام باعتباره مدافعا صلبا عن النظام، ومبررا لأخطائه وتردده فى بناء نظام سياسى عفى وديمقراطى، واختاربوضوح أن يخوض معاركه ضد المستقبل، وضد جوهر المطالب، التى نادت بها ثورة يناير، وقرر أن يراهن مع سبق الإصرار والترصد على المفاهيم القديمة، وعلى آليات عمل نظام مبارك وتوجهاته السياسية والاقتصادية، فى واقع سياسى يرفض تماما كل المحاولات الرامية لاستمرارها، حتى لو طالتها التحسينات والتجديدات المفروضة عليها بالضغوط الجماهيرية.

التضحية بالزند جاءت بضغوط جماهيرية، وليس فقط بسبب ضغوط فيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى، كما تقول الغالبية العظمى من جموع القضاة، ومع ذلك فإن إقالة الرجل ليست أكثر من زوبعة فى فنجان، فغيابه عن المشهد السياسى، لن تكون هزيمة للنظام ولا انتصارا للإخوان، ولن يفتح هذا الغياب بابا كان موصدا للمصالحة بين الطرفين، ولن تمهد الطريق أمام تغييرات فى التوجهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التى يتبناها النظام، ليس فقط لأن الرجل لم تكن له مكانة سياسية كبيرة، ولكن لأن رهانات النظام التى لا تتسق ــ بل ربما تتناقض ــ مع كل ما طالبت به ثورة يناير، لن تتغير ولن تتبدل ببقاء الرجل أو رحيله!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved