«شىء من الخوف» على مصر

أكرم السيسى
أكرم السيسى

آخر تحديث: الإثنين 14 مارس 2016 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

«شىء من الخوف» هو عنوان القصة الأشهر للأديب المبدع ثروت أباظة، نقلها المخرج الموهوب حسين كمال إلى فيلم سينمائى رائع فى 1969، وترجع أهمية هذه القصة إلى الإسقاطات والرموز السياسية التى تضمنتها، ففى مضمونها العام يرمز عتريس ــ بطل القصة ــ إلى الحاكم الديكتاتور الذى أحب بلدته منذ صغره، أما البطلة فهى فؤادة ترمز إلى الوطن الذى يقع تحت حكم الحاكم المستبد الذى يقهر شعبه «أهل الدهاشنة».

التفسير القديم لهذه القصة والذى شاع قبل عرضها كفيلم أنها أشارت إلى حكم عبدالناصر، الزعيم الذى أحب وطنه مصر (فؤادة) حبا جما، ولكن فؤادة رفضت الزواج منه لأنه سجن واعتقل وقهر كل من عارضه من بنى وطنه، ولأنه اعتبر نفسه الأوحد الذى من حقه أن يدير البلاد دون استشارة من أحد، وقيل إن عبدالناصر قد تردد كثيرا للسماح بعرض هذا الفيلم خاصة أنه جاء بعد هزيمة 67، ولكن بذكائه سمح بعرضه لأن فى منعه تأكيد على مصداقية الإسقاط بينما السماح بعرضه يجعله حالة عامة لا تختص به.

حقا إن الزعيم عبدالناصر قد أحب وطنه وأخلص له وحاول بذل النفيس والغالى، ولكن نتائج حكمه كانت كارثية لأنه لم يفرق بين قيادته لكتيبة عسكرية يجب أن تطيع دون أن تناقش أو تعترض وبين قيادته لشعب ولدولة فيها من جميع التيارات الفكرية والسياسية والعقائدية، فكانت الخطيئة الكبرى التى أضاعت كل إنجاز قام به: تأميم قناة السويس، الانتصار السياسى فى حرب 56، وبناء السد العالى، ومحاولات جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية...إلخ، ضياع كل الإنجازات الكبيرة هو حال كل حاكم قهر معارضيه ورفض الرأى الآخر فى تاريخ البشرية.

***

وفى خطاب «رؤية مصر 2030»، نصح الرئيس الشعب بقوله «ما تسمعوش كلام حد، اسمعوا كلامى أنا وبس»! هذا التعبير كان صادما للشعب المصرى بكل طوائفه، لأن الشعب الذى اختار الرئيس بنسبة 98% فى انتخابات نزيهة لم يتوقع منه ذلك، فمن المؤكد أن الشعب يقدر دور الرئيس فى حمايته لثورة 30 يونيو، وإنقاذ الشعب والوطن من نظام الاستبداد الدينى الذى يكفر الآخر، واعتبره الجميع قائدا لهم لتصحيح مسار ثورة 25 يناير التى ثارت ضد الفساد والاستبداد والتسلط، وبحق فإن الرئيس قد حفر اسمه بالذهب فى التاريخ المصرى.

من المؤكد أن الرئيس عبدالفتاح قد اكتسب شعبية كاسحة فاقت شعبية عبدالناصر وشعبية السادات بعد نصر أكتوبر 73، علما بأنه لم يستخدم الآلة الإعلامية الجهنمية التى استخدمها سابقوه، وهذا ليس فقط لأنه أسقط فئة ضالة أرادت السوء لهذا الوطن، ولكنه بالإضافة إلى ذلك وضع خطة طريق من ثلاث مراحل لبناء دولة حديثة، السيادة فيها للقانون يضمن حرية التعبير واحترام الرأى الآخر، ومازالت شعبية الرئيس قوية لأن الغالبية العظمى تثق كل الثقة فى إخلاصه لوطنه ولشعبه، ويسلمون بنزاهته وبنواياه الطيبة، ويقدرون حسن خلقه وعفة لسانه، ويصدقون على مجهوداته وإنجازاته، ولكن الشعب بعد سماع نصيحة الرئيس له شعر بـ«شىء من الخوف» عليه وعلى الوطن.

***

ومازالت قصة «شىء من الخوف» تعطى تفسيرات واسقاطات جديدة، فهى فى عصرنا الحالى عبرت عن عصر الفساد الذى سقط فى 25 يناير، فعندما زاد «عتريس» فى طغيانه أمر بقطع المياه عن أهل بلدته، ولكن فؤادة تتحداه وتفتح الهويس بنفسها، وبعد قتل عتريس لابن أكبر معارضيه الشيخ إبراهيم الذى أنكر زواج عتريس من فؤادة (والذى يذكرنا بمقتل خالد سعيد) يأتى مشهد النهاية فى جنازة الفقيد الشاب ويردد الجميع الجملة الشهيرة «جواز عتريس من فؤادة باطل» التى تذكرنا بهتاف المصريين فى 25 يناير «الشعب يريد إسقاط النظام»!

إن الشعب المصرى بعد ثورتين عظيمتين لن يقبل بديلا عن الدولة الحديثة، وعن دولة السلطات الثلاث المستقلة لتحقيق التوازن بينهم الذى يضمن للجميع الأمان والاستقرار بعيدا عن جهاز الأمن الذى تحمل غير دوره الرئيسى وفوق طاقته فظلم ظلما عظيما، إن النظام الذى غنى له عبدالحليم حافظ «قول ما بدالك، إحنا رجالك، ونسقفلك كده هه، ونطبلك كدهه»، قد ذهب إلى غير رجعة، ومن لا يصدق فهو يخطئ فى حق نفسه وفى حق الوطن.

وقد كتبت فى مقال سابق فى هذه الجريدة أن الشعب المصرى يحلم بجنرال مثل ديجول وليس بجنرال مثل نابليون، حقا كلاهما أحب وطنه فرنسا، ولكن من المؤكد أن ديجول كان أفيد وأصلح لفرنسا ولشعبها من نابليون، وقديما قال أحد الحكماء إن الديمقراطية كقطعة خشب فى وسط البحر تتلاطمها الأمواج فتصعد وتهبط ولكنها لا تغرق أبدا.

وفى الختام، أذكر الجميع بحديث النبى عليه الصلاة والسلام: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما...».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved