الحقد المقدس

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 14 مارس 2017 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

أصعب شىء على الفهم أن تجد من يسعى إلى التقرب إلى الله بالإساءة إلى المختلفين معه فى المعتقد الدينى إما بقتلهم، أو التنكيل بهم، أو التضييق عليهم، أو حرمانهم من حقهم فى عبادة الله ذاته تحت ذرائع واهية. وهكذا يصبح إيمان الشخص لونا من ألوان الحقد المقدس، أو الكراهية الدينية، وكأن الله ينتظر من الناس أن يكرهوا المختلفين معهم فى المعتقد الدينى حتى يقبل صلاتهم، وصيامهم، ويحشرهم فى زمرة أهل الجنة. ألم يكن الله قادرا على أن يفرض على البشرية معتقدا دينيا واحدا فحسب، ويريحهم من التنوع الدينى، الذى يعتبرونه عبئا وليس ثراء؟ هل سمح الله بالتعدد فى المعتقدات الدينية حتى يجعل الناس تنشغل بالحقد المقدس فى مواجهة بعضها بعضا، بدلا من الايمان الحقيقى؟ هل خلق الله مؤمنين أم فرسان معابد فى حالة قتال دائم؟

هذه الأسئلة وغيرها التى تبدو بديهية لن يجيب عنها أى متطرف أو إرهابى، ولكن سعى أحد الاساتذة الأمريكيين هو توماس يوثيب، رئيس أصدقاء مبادرة تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة للإجابة عنها من خلال طرح ثلاث نقاط أساسية هى خلاصة خبرته ودراساته فى هذا المجال: التعليم، العلاقات، العمل المشترك.

أولا: أن يكون هناك تعليم عن كل العقائد والثقافات يجعل هناك معرفة متبادلة، تحطم ما نسميه «الانماط الجاهزة» أو الفهم الجامد عن الآخرين.

ثانيا: أن تكون هناك علاقات عميقة بين المؤمنين بالأديان المختلفة، العمل، الجيرة، النادى، وهو ما نسميه رأس المال الاجتماعى، أى رأس المال الذى يمتلكه المجتمع، ويستثمر فيه، تماما مثلما يستثمر فى أصوله المالية.

ثالثا: أن تكون هناك مبادرات يقوم بها أناس يؤمنون بالحوار، والعمل المشترك، ولا ينكفئون على ذواتهم.

قرأت المقال الذى كتبه الرجل فى ضوء الواقع الذى نعيشه، والذى كثيرا ما يؤرقه مسألة تتعلق بالشأن الدينى، ونستغرب لها كثيرا، ونعيد انتاج نفس الكلام عن التعصب، والكراهية، ودور جماعات الإسلام السياسى، ولا نسأل أنفسنا الأسئلة الصحيحة: هل وضعنا مناهج تعليمية تجعل التلاميذ يعرفون بشكل مبسط التنوع فى المعتقدات؟ هل أسسنا مشروعات أو مبادرات تجمع أطياف المجتمع بمسلميه وأقباطه فى عمل مشترك سواء فى التنمية، أو خدمة المجتمع، أو بناء مشروع عام يفيد الجميع؟ هل ظهر فى المجتمع مبدعون أو مثقفون أو رجال دين يتخطون الحواجز ويسعون إلى الكتابة عن معتقدات الآخرين وإحداث انفتاح فى العلاقات بينهم؟ أعرف أن البعض فعل ذلك نفاقا للتعتيم على المشكلات، والتقرب من السلطة فى فترات كثيرة، ولكنى أعرف أيضا أن البعض فعلها إيمانا بأهمية أن تكون هناك حالة انفتاح ثقافى فى المجتمع. كتب الدكتور ناجح إبراهيم عن السيد المسيح، وكتب الأنبا يوحنا قلته عن شخصية نبى الإسلام محمد كتابات فيها روح الحوار والسعى إلى الفهم المتبادل، ولكن نحتاج إلى أن ينفتح الناس على معتقدات بعضهم بعضا بشكل ثقافى، يدركون أن فى الحياة معانى روحية عميقة نستطيع أن نتوقف أمامها حتى وإن اختلفت العقائد.. من هنا سيظل للمجتمع المتقدم أهميته، لأنه يسمح بتداول الأفكار الحرة، والاجتهاد الانسانى دون خوف من المحرمات وغضبة الحشود المتعصبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved