وزير الصحة.. ومجانية عبدالناصر

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 14 مارس 2017 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

فى اجتماع لجنة الصحة بمجلس النواب مساء يوم الاثنين الماضى شن الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة هجوما حادا على الفترة الناصرية قائلا: «منظومة الصحة متهاوية لأن عبدالناصر قال إن التعليم والصحة كالماء والهواء، والصحة مجانية لكل فرد، لذلك راح التعليم وراحت الصحة!!!».

الوزير قال أيضا بحسب ما نقلت عنه معظم صحف صباح أمس: «لا توجد دولة فى العالم قادرة على تحمل أعباء الصحة كما تحملتها مصر، والعلاج المجانى أدى إلى تدهور الخدمة».

أعرف الوزير جيدا وأقدره كثيرا على المستوى الشخصى، لكنى مختلف معه تماما فيما ذهب إليه.

عبدالناصر، ليس معصوما، ورأيى أنه ونظامه ارتكب أخطاء قاتلة بعضها مازلنا ندفع ثمنه حتى اليوم، لكن ربما كانت سياساته فى التعليم والصحة، من أفضل ما فعله، وآثارها الإيجابية ماتزال حاضرة معنا حتى اليوم.

المسألة ليست تحزبا لشخص أو فكر أو عقيدة سياسية، ولكن كل بلدان العالم المتقدم والمحترم، توفر التعليم والصحة تقريبا بالمجان.

المؤكد أن الوزير سافر الخارج كثيرا، وربما يكون هو أو بعض أولاده قد درسوا بالخارج، وتلقوا العلاج مجانا بالخارج طالما أنه مؤمن عليهم.

خلال سفر أى منا للخارج، نقوم بعمل تأمين صحى لا يتكلف أكثر من مائة جنيه تقريبا، لكنها كفيلة بأن نتلقى العلاج بالخارج إذا احتجناه، حتى لو كانت التكلفة بالملايين وعندى أمثلة كثيرة فى هذا الموضوع. العالم المحترم بأكمله، يضمن التعليم المجانى خصوصا فى المراحل الأساسية حتى الوصول للمرحلة الجامعية، لكنه يضمن العلاج المجانى تقريبا للجميع وطوال العمر.

السؤال الجوهرى هو: من أين يتم تمويل هذا العلاج والتعليم المجانى؟!

بالطبع ليس من جيب أى حكومة، بل الأساس يأتى من جيب دافع الضرائب.

الجميع ــ خصوصا القادرين ــ فى أى مكان يدفعون الضرائب كل حسب دخله وأرباحه. لا أحد يهرب أو يتهرب من الضرائب، ويتندر البعض فى بلدان متقدمة بأنه يمكن الهروب من الموت، لكن لا يمكن الهروب من دفع الضرائب التى تصل إلى أكثر من ٥٠٪ من بعض البلدان!!.

من حصيلة الضرائب التى تأتى أساسا من القادرين والأغنياء، يتم تمويل ميزانيات الصحة والتعليم، لأنه بمنطق «من يملك فقط يتعلم أو يتعالج»، فإن الفقراء سوف لا يتلقون أى تعليم ويموتون من أى مرض يصابون به.

ثم إن الوزير نفسه قال خلال وجوده فى مجلس النواب إن ٧٠٪ من المنظومة الصحية الحالية تأتى من جيوب المواطنين، وليس من جيب الحكومة. ويعلم الوزير أنه لا يوجد لدينا تأمين صحى بالمعنى الفعال. صحيح أن الدولة تنفق الكثير، لكن غالبية الناس تدفع فعلا من جيوبها، وعدد كبير من الفقراء يموت الآن لأنه لا يجد مستشفى مجهزا وبأسعار مخفضة، وصار «البحث عن غرفة عناية مركزة» حلما يراود الكثيرين، خصوصا فى حالة الحوادث والحالات الطارئة.

يعلم الوزير أكثر منا أوجاع المنظومة الصحية والتعليمية السبب الرئيسى فى فشلها ليس «مجانية عبدالناصر» ولكن السياسات شبه المتعمدة لتخريب البلاد التى بدأت منتصف السبعينيات.

فساد وتدهور وتخلف التعليم هو الذى قادنا إلى ما نحن فيه. تعليم عبدالناصر، هو الذى صحح هزيمة ٦٧ وقاد نصر ١٩٧٣ والمستشفيات فى كل قرية هى التى انصفت الفقراء. الناس لا تمانع فى وجود رسوم ومصاريف للصحة والتعليم لأنهم يدفعون المليارات فى الدروس الخصوصية والمستشفيات الخاصة. لكنهم يريدون أن يتأكدوا أن الحكومة وأجهزتها تحصل على الضرائب من الجميع وليس فقط من الموظفين.

يا دكتور أحمد عماد زميلك وزير المالية الدكتور عمرو الجارحى قال فى نفس اليوم بمجلس النواب كلاما منطقيا ومعقولا منه مثلا: «ان السياسات الاقتصادية الخاطئة فى اسلوب التشغيل والادارة وعدم تقديم الخدمة بشكل سليم هى السبب فى الخسائر الكبيرة التى تتعرض لها الهيئات الاقتصادية وان الفساد ناتج عن سياسات اقتصادية غير سليمة مطبقة منذ سنوات طويلة».

يا دكتور أحمد المشكلة لم تكن المجانية، بل الفساد والسياسات والأخطاء المجانية والمنحازة لقلة على حساب غالبية المجتمع!!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved