مزيد من النظرة المستقبلية فى تربية الطفل

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: السبت 14 مارس 2020 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

من أفكار عالم النفس الأمريكى (جون ديوي) بخصوص الأطفال ومن أحد أقواله «علينا أن ننطلق من الأطفال، وأن نتخذهم هاديين ومرشدين، فالأطفال هم المنطلق وهم المحور وهم الغاية»، هكذا عبر أحد علماء النفس عن أهمية تربية أطفال هذا الجيل الذى سوف يشهد تأثيرات متلاحقة وتحديات فى تعلم المهارات بشكل يجب أن نواكبه بعناية وبعلم ومناهج جديدة، والحفاظ على صحتهم النفسية ودعم قدراتهم.
وتدعو ماريا منتسورى إلى تربية الأطفال فى بيئة غنية بالوسائل التربوية الذاتية الشيقة المثيرة لاهتمامات الأطفال، ولذلك فإن فى معظم البلاد الأوروبية يجرم كل من علم طفل حرفا أو رقما قبل السادسة من عمره، والتعلم يكون باللعب وليس بالكتابة، لأن الطفل يولد بقدرات عقلية هائلة تتآكل بتلقيه فى بداية حياته الكتابة وحفظ الأرقام والواجب المدرسى، وهذه كلها معوقات لا تخدم إطلاقا الأغراض العلمية المفيدة للأطفال والمجتمع. وتعتمد طريقة ماريا منتسورى تقديم المعرفة للأطفال من خلال أدوات تعليمية وكذلك تعليمه بعض العادات الجيدة مثل حرية الاختيار، فمثلا تعليم الطفل ترتيب غرفته عندما يبلغ سنة ونصف، ويجب فى سن الثانية أن يعرف صندوق لعبه وتعليمه أن يضع أشياءه فى الأماكن المخصصة، ومن الممكن أيضا أن يساعد فى أشياء بسيطة فى البيت حتى تقوى عضلاته، وفى العام الثانى يمكن أن يمارس عملية التلوين، وكذلك يجب أن يتعلم الترحيب بأقاربه، وتعليم الصغير غسل أسنانه وتمشيط شعره، وفى سن الثالثة يمكن أن يمارس عملية الاستحمام بنفسه ويجب أن نكون معه فى هذه الأثناء حتى سن السابعة أو الثامنة، وكذلك يمكن أن يتعامل مع البائعين للشراء، ويجب أيضا الالتزام بموعد ثابت للنوم، والتواصل مع الطفل قبل النوم للحديث عن ما أسعده وما يضايقه.
***
ويعانى الطفل من التربية بالعنف، مثل التأنيب والتعنيف اللفظى والجسدى ليزرع فى الطفل أن قيمته متدنية، فالأطفال المعرضون للعنف هم أكثر عرضة للتعرض للمشاكل النفسية والاجتماعية والسلوكية مثل مشاكل الصحة العقلية، صعوبات التعلم، الإعاقات اللغوية، ضعف التفاعلات الاجتماعية، صعوبة فهم العواطف، ضعف السيطرة على الانفعال، إلى ضعف القدرات التفكيرية والمشاكل السلوكية، والدليل على ذلك أننى عندما كنت فى المدرسة طفلا فى المرحلة الابتدائية كان مدرس الحساب ذو الوجه الأحمر والطربوش على رأسه وعلامات الغضب على وجهه والعصا المشرعة فى يده، تجعلنى من الخوف لا أستوعب كلمة واحدة مما يقول، ويكون تركيزى على العصا متى ستنقضّ على رأسى، هذه تجربة شخصية فى أثر استخدام العنف.
والتربية الإيجابية تعتمد على اللطف والحزم، فاللطف بدون حزم لن يعلم الطفل الانضباط، والحزم بدون لطف لن يعلم الطفل الاحترام، فالهدف هو اكساب الطفل المهارات العاطفية الضرورية وإعطاء الفرصة للطفل أن يقيم تجاربه فى علاقاته بالآخرين.
ومن الظواهر الجديدة التى نعانى منها فى مجتمعنا اليوم، التنمر، فى المدارس والشوارع وبين الأصدقاء، وهذا التنمر يدمر حيوية الطفل ويربكه، ولذلك يجب أن نعرف الطفل أنه بمجرد تعرضه للتنمر أن يفصحوا لآبائهم عن ذلك حتى لا يستمر المتنمر فى فرض سيطرته على الطفل الذى يؤدى به إلى نتائج وخيمة، ويجب أن نحذر الطفل أيضا من رفضه لأى تلامس على جسده من شخص أكبر منه، ولا نخجل إطلاقا فى تعليمه كيف يواجه هذه العادات السيئة من الآخرين. وكذلك سؤال الأطفال عن مظاهر التمييز الدينى لأنها مسألة خطيرة للغاية وقد ذكرت من قبل كيف أن بعض أولياء الأمور يوعزون للأطفال بعدم الجلوس بجانب المخالفين عنهم فى الدين. ويجب أن ندعو أن يتعلم أطفالنا فى مدارس مدنية وليست دينية ونعطى الفرصة لهم عندما يكبرون أن يكونوا أحرارا فى تفكيرهم والإيمان بعقائدهم بشكل غير مقحم عليه.
ونريد أيضا أن يقدم للأطفال خدمات تنمى قدراتهم العقلية وإظهار مواهبهم الفطرية مثل توفير حجرات الموسيقى والملاعب وإعطائهم الفرصة لإظهار ابتكاراتهم، لأن إهمال المدارس الحكومية يشمل الغالبية العظمى من الأطفال فى المراحل التعليمية، غير ما يتعلمه أطفالنا فى المدارس الخاصة حيث تقدم لهم مثل هذه الخدمات.
***
وقد حذر العلماء من مشاهدة الأطفال للتليفزيون أو الأفلام الكارتونية فى سن صغيرة، حيث أنها تؤثر على الطفل وتؤدى به إلى الإعاقة الذهنية، أما الموضوع الآخر الخاص بالأطفال فهم ذوو الاحتياجات الخاصة، فمنذ وقت قريب كانت أى أسرة يولد لها طفل بأى تشوهات أو إعاقة تغلق عليها الأبواب وتعزل هذا الطفل عن المجتمع، ثم ظهرت حركة جديدة ــ سوف نذكر نتائجها فيما بعد ــ تؤكد على حق الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة أن يعيشوا حياتهم كما يعيش الآخرون جميعا، وجاءت هذه الحركة كرد فعل على حياة العزلة التى كانت مفروضة عليهم، وهذه الحركة كانت هى مناهضة الإيواء، أو الإخفاء. ومن أهم التحولات التى شهدتها المرحلة الأخيرة أن الإعاقة قضية ترتبط بحقوق الإنسان، وأصبحت المؤتمرات العالمية تؤكد على حق كل إنسان فى التعليم وتكافؤ الفرص. وهذه الفكرة تغيرت بسبب علماء التربية المهمومين بأمور الطفولة مثل الدكتور نجيب خزام الذى أنشأ فى عام 1986 مركز سيتى للمساهمة فى مواجهة مشكلة الإعاقة فى مصر، وبعد جهد كبير تمكن من وضع أول مشروع سنة 1998 لدمج ما يزيد على 300 طفل فى المدارس النظامية والحضانات، وأصبح لهذه الجمعية فروع فى القاهرة والمنيا والإسكندرية، وليس الدمج فى التعليم فقط ولكن فى كل المجالات، وأنا شخصيا أقتنى لوحة رسم من أحد الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة أتمنى أن أنشرها على أوسع نطاق فى المستقبل.
ومن الشواهد المبشرة نجاح فكرة دمج الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة مع الأطفال العاديين فى صفوف الدراسة، على شرط أن يوفر داخل بناء هذه المدرسة أدوات معينة للتحرك واللعب مع زملائه من الأطفال وعدم فصلهم إطلاقا عن أقرانهم، ولا نشعرهم داخل هذه المدارس التى تقبل الدمج بأى تمييز؛ للتفاعل بشكل سليم مع من حولهم، وهذا يتطلب تأهيل المعلمين وتدريبهم للتعامل مع هذه الحالات وتهيئة أولياء أمور الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة ودعمهم نفسيا لقبول أى مشاكل تواجههم خلال هذه التجربة، ونؤكد أيضا أن تهيئ كل مرافق المدرسة المختلفة لاستقبال الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة وبالأخص أصحاب الإعاقات الحركية، وبذلك نضيف للمجتمع قوى جديدة تساعد فى التقدم والتنمية، وهذا يؤدى إلى بناء دولة مدنية حديثة.

عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved