الكورونا بين السياسىّ والدينىّ

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 14 مارس 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى.. جاء فيه ما يلى.
يسعى الأطباء المختصون منذ تفشى وباء الكورونا، إلى تقديم تفسيرات علمية ونصائح وقائية حتى يتمكّن الناس من التعامل مع هذه الأزمة التى تهدّد سلامتهم الصحيّة بنصيب من العقلانية. ورغم هذا الجهد المبذول لتنزيل هذه «الجائحة» فى إطارها العلميّ لم يفوّت الدعاة والأئمة والقادة الدينيون الفرصة للظهور فى المشهد الإعلاميّ مقدّمين شروحهم ونصائحهم التى تنهل من معين شكّله الفكر الميثيّ والفكر الغيبى، وتستند إلى سرديّة المؤامرات التى تحاك ضدّ المسلمين. فحسب الشيخ الدكتور أحمد عيسى حسن المعصراوى المصرى فالوباء هو «عقاب إلهيّ» عن المعاصى، والمجازر التى ارتكبت فى الصين بشأن المسلمين «الإيغور» وما ربك بظلام للعبيد، ويتجاهل «الشيخ» أنّ الفيروس انتشر فى البلدان العربية كالسعودية وقطر.. فهل سيجرؤ على القول: إنّ الإله الجبّار ينتقم من هذه الدول أم أنّ هذا التفسير لا ينطبق إلاّ على «الكفار»؟.. هكذا يستغلّ الناطقون نيابة عن الله الموقف للتموقع باعتبارهم أصحاب سلطة. فهم القادرون على التأثير فى الجموع ولذلك يستغلّون المنابر، والتدوينات الفيسبوكية وغيرها من الوسائط للترهيب من يوم الحشر، والحديث عن عذاب القبر و...
إنّ ما يسترعى الانتباه فى تعامل المسلمين مع الكوارث والأوبئة هو التأرجح بين الخطابات الطبيّة والتفسيرات الميثيّة التى تتذرّع بسلطة الدينيّ، وهو أمر لا نعاينه فى الحياة اليومية لعامة الناس فقط بل ينعكس على سياسات الحكومات. فقد رفض الرئيس الباكستانى عارف علوى الحاصل على درجة الدكتوراه فى طبّ الأسنان، إعادة الطلاب الباكستانيين الذين يدرسون فى الصين موظّفا حديثا رواه البخارى ومسلم برواية عن عبدالرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه».
وبالرجوع إلى آخر القرارات الصادرة مثلا فى المملكة المغربية وتونس نتبيّن تعمّد كلّ حكومة تكريس سياسة الفرز بين الأنشطة الثقافيّة والرياضيّة التى يجب أن تتوقّف على الفور، والأنشطة الدينيّة التى لا يمكن تعطيلها بدعوى عدم «استفزاز المصلّين» بل يذهب بعضهم إلى تبرير استمرار إقامة صلاة الجمعة بأنّه من ‹التدابير الوقائية›؛ إذ يتعيّن على الإمام تخصيص وقت للدعاء الجماعيّ إذ «يجبُ الإكثار من الدّعاء والذّكر حتّى يجنّبنا الله الآفات والمصائب».. وهنا ندرك مدى التباس السياسيّ بالدينيّ فى التعامل مع الأزمات التى تحدثها الأوبئة والكوارث إذ تظلّ الحسابات السياسية ومراعاة موازين القوى وردود فعل الأحزاب ذات المرجعيّة الدينية مهيمنة على صنّاع القرارات حتى وإن كان الثمن التضحية بالمصلحة العامّة وصحّة المواطنين.
ولكن إلى متى تغيب الإرادة السياسية وتستمر سياسات «اليد المرتعشة» فى بلد عرف حالة «انفلات بيوت العبادة» وتحوّل عدد منها إلى وكر للجماعات المتشددة والمسلحة وخروجها عن سيطرة الدولة؟ وهل بإمكان وزارة الشئون الدينيّة أن تمنع عددا من الأئمة من ممارسة التجهيل القصدى كأن يزعم أحدهم أنّ الكورونا هو «تنبيهٌ من الله» إلَى أنَّ الأمَّة ليسَتْ علَى ما يرام، لما يحصلُ فيها من فسوقٍ ومنكرات، مستدلًا بحديث للنبى (صلى الله عليه وسلم) يقولُ فيه «يكون فى آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، لتسألهُ عائشة؛ يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: نعم إذا ظهر الخبث؟» وهنا قد تستغلّ الحالة النفسيّة التى يمرّ بها الناس للتلاعب بالعقول، والدعوة إلى إقامة شرع الله وإقامة دولة تراعى أحكامه.
لا يكفى أن نطالب المصلّين بإجراء طقوس الوضوء فى البيت، وأن نلحّ على الإمام حتى لا يطيل فى الصلاة فالكلّ يعلم أنّها إجراءات تتعارض مع التعليمات الطبيّة التى تمنع تجمّع أعدادا غفيرة من الناس فى فضاء مغلق حيث «التفت الساق بالساق»، فإدارة الأزمات تتطلّب العقلنة والجرأة والتمييز بين القرارات السياسية والخلفيات الدينية فالدولة هى المسئولة عن الأمن الصحيّ وتحاسب متى أخلّت بواجباتها.

المغرب ــ تونس

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved