الفاشيون المصريون الجدد

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 15 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

وضع أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، أسسا بسيطة لما يجب أن يكون عليه نظام الحكم الحديث. وقال فى أول خطبة له بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام «أما بعد: أيها الناس، فإننى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى». ويشير ما ذكره الصديق أبو بكر إلى أن الحاكم سواء كان رئيسا أو ملكا أو حتى خليفة، ما هو إلا خادم أو موظف عند بقية الشعب. وأكد أبو بكر أن مصدر شرعية حكمه يستمد من رضاء الشعب عليه، وأن جموع الشعب هى مصدر سلطته الوحيد.

 

وفى العصور الحديثة عانت الكثير من الدول التى أصبحت تتمتع بنظام ديمقراطى حر بمراحل من الفوضى والعنف والقتل والترهيب من أجل أن تستمتع شعوبها بحق سياسى بسيط وهو اختيار من يحكمهم من خلال «انتخابات حرة عادلة متكررة».

 

فى المجتمعات المتقدمة لا تعترض إلا القلة على من تأتى به الانتخابات طالما كانت حرة وعادلة. إلا أن مصر لا تنتمى بعد لتلك المجموعة من الدول. فهناك فئة ليست بالقليلة ممن لا يرضيهم مبدأ المساواة بين كل المواطنين فى الصوت الانتخابى.

 

«معادلة صوت لكل مواطن» التى تمنح كل المصريين من الفقراء والمهمشين وأفراد الطبقات الدنيا والوسطى والعليا حقوقا متساوية فى التصويت، لا تلقى استحسانا عند من يتصورون أنهم أكثر إنسانية وأكثر تحضرا وأكثر نظافة وأكثر تعلما من بقية جموع المصريين. وللأسف هناك الكثير من المصريين ينتمون لهذه الفئة التى لا يرضيها أن يختار «الشعب الجاهل» حكامه، وهم يرون أن «الشعب الجوعان» يجب أن يهتم «بأكل عيشه» وليس بالعملية السياسية والانتخابات. تحبذ هذه الفئة أن يطلق عليها مصطلح «الصفوة القديمة»، إلا أننى أطلق عليهم «الفاشيون الجدد».

 

ويعد حاكم ايطاليا السابق بينيتو موسولينى هو أهم رموز الفاشية الكلاسيكية التى اندثرت فى العالم من حولنا. ويتفق الفاشيون المصريون مع موسولينى فى إنكار أن إرادة الشعب ليست وسيلة الحكم، وإنما الوسيلة هى القوة التى تفرض القانون. ويريد الفاشيون المصريون أن تمنح السلطة التنفيذية أفضلية كبيرة على حساب السلطات الأخرى، تماما كما سعى موسولينى ونجح فى تركيز كل السلطات فى يده عندما أصبح رئيس وزراء ايطاليا.

 

الفاشيون المصريون خدموا النظام السابق وتسلموا وظائف تنفيذية وقضائية وتشريعية عليا فى الحكومة بناء على درجة ولائهم لرأس النظام. لم يعترض الفاشيون الجدد على نظام الحكم الاستبدادى فى مصر، ولم يعترضوا على التنكيل بالمعارضين السياسيين، ولم يمانعوا فى انتهاك حقوق أساسية للمواطنين، ووافقوا على تزوير الانتخابات وعلى الزواج غير الشرعى بين المال والسياسة.

 

يعتبر الفاشيون المصريون من لم يوافق على انتهاكات العهد السابق على أنهم دونهم قدرا. وهم يرون الجميع أدنى درجة أو درجات منهم، ويؤمنون خطأ بسموهم الخاص، ولا يؤمنون بالمساواة بين الأفراد، كما يؤمنون أنهم وطبقتهم المميزة فقط يقدرون على تحمل المسئولية وقيادة الدولة والشعب.

 

وهم يرون أن الدولة التى يتبوأون فيها أعلى المناصب هى كائن فوق الجميع، ولا يمانعون فى إلغاء الحريات الفردية كى لا تهدد تماسك الدولة.

 

ويريد الفاشيون المصريون الجدد عودة تركيز السلطة فى يد طبقتهم المميزة، وكل أمالهم منصبة الآن دون استحياء على دولة جديدة يرأسها اللواء عمر سليمان. ويمثل اللواء سليمان لهم حبل نجاة وحلا وحيدا لكل مشكلاتهم التى ابتلوا بها بعد قيام ثورة 25 يناير. يرون فى اللواء سليمان رجلا قويا يستطيع أن يعيد الأمور لنصابها، فهو رجل المخابرات الذى يستطيع أن «يلم البلد». وهو الرجل القوى الذى يؤمن بهم وبدوائرهم التى أصبح هو شخصيا خلال السنوات العشرين الماضية من أهم رموزها.

 

إلا أنه من المحزن أن الفاشيين المصريين لا يشبهون الفاشيين الأوروبيين فيما تمتعوا به من صفات قليلة جيدة. فاشيو مصر لا يهتمون ــ على العكس من نظرائهم الأوربيون ــ ببناء دولة قوية. أنهم يهتمون فقط بمزايا ونجاحات شخصية أو فئوية ضيقة. فاشيو مصر لا يريدون دولة مصرية ذات نفوذ وتطلعات خارجية، ولا يريدون أن يدفعوا بقية المجتمع للأمام، كما فعل نظراؤهم الأوروبيون، والسبب أنهم لا يثقون فى قدرات الشعب ولا الجيش المصرى.

 

يعرف علم الاجتماع السياسى مصطلح الصفوة بصفة عامة على أنه جماعة من ذوى النفوذ والسلطة الذين يمتلكون مقاليد القوة فى الجهاز السياسى والإدارى فى الدولة نتيجة قربهم وخدمتهم لدوائر صنع القرار. وفى الدول المتقدمة تصبح الصفوة مثل القاطرة التى تقود بقية المجتمع للأمام عن طريق تحسين معيشة الجميع، وتحسين مدارس الجميع ومستشفيات الجميع.

 

إلا أن الصفوة الفاشية فى مصر، لم يكن لديها نية ولا مقدرة على قيادة المجتمع كله للأمام. ارتضت هذه الفئة أن تجد لنفسها مدارس ومستشفيات وخدمات مميزة بمعاييرهم، وتجاهلوا بقية المصريين.

 

أما علاقة الفاشيين المصريين الجدد بالخارج وخاصة الغرب فتثير الاشمئزاز والشفقة معا. فمن ناحية ينظرون للغرب بانبهار ويقدسون أسيادهم الأوروبيين والأمريكيين، ويعبرون دوما عن انبهارهم بهم وبفنونهم وبما تنتجه للبشرية من تكنولوجيا ونمط حياة وإتيكيت. إلا أنهم يختارون ألا يحترموا القيم المجتمعية التى أدت لقوة وتطور هذه المجتمعات. قيم مثل المساواة والحرية والعدالة والكرامة لا تساوى لديهم الكثير ماداموا هم فقط فى منأى عن انتهاكات الأجهزة الأمنية وأجهزة المخابرات.

 

لذا لم تشكل الكثير من الأمراض المصرية المستعصية قلقا حقيقيا للفاشيين، فهم تجاهلوا على سبيل المثال بقاء نحو 21 مليون مواطن مصرى أميين لا يقدرون على القراءة والكتابة خلال العقود الماضية.

 

الانتخابات الرئاسية القادمة تمثل اختبارا مهما للمجتمع المصرى. نزول اللواء عمر سليمان المعركة الانتخابية يتيح فرصة للشعب المصرى ليثبت أن الفاشية مازالت سائدة فى صفوفه، أو أن هذا الشعب يحمل فى طياته بذور الإيمان بالحرية والعدالة والكرامة لجميع المصريين على قدر المساواة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved