الخطوط الحمر والمحرمات فى المشهد السورى

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 14 أبريل 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

بعد بضعة أيام ستعود المفاوضات، بشأن مستقبلى القطر العربى السورى، إلى الانعقاد مجددا، لسنا معنيين بما يدور فى الذهن الأمريكى بشأن هذا الموضوع، ولا بما يدور فى الذهن الروسى، ولا حتى بما تفكُر به هيئة الأمم المتحدة أو ايران أو تركيا، وحتى لو أن أولئك الأغراب هم الذين سيقررون وسيفرضون فإننا يجب، فى الدرجة الأولى، أن نطرح الأسئلة على الحاضرين من العرب، سواء أكانوا من المعارضين، بكل تلاوينهم وأهدافهم غير المتماثلة، أو كانوا من ممثلى نظام الحكم الحالى، أو كانوا يمثلون هذه الجهة العربية أو تلك.

والأسئلة ستنطلق من الإيمان بأن جميع الأطراف العربية، حتى ولو حملت وجهات نظر متباينة بشأن هذا التفصيل أو تلك الجزئية من المشهد العربى السورى المأساوى الذى يدمى قلب كل عربى بدون أى استثناء، فإن جميع الأطراف لا تريد أن تساهم فى تدمير أو إضعاف أحد أهمُ معاقل القوة العربية، والالتزام العروبى القومى، والرفض للمشروع الصهيونى الاستئصالى، وأحد أهم حوامل الذَاكرة العربية لجزء من أبهى عصور تاريخ أمة العرب.

وهى بالطبع لا ترضى بأن تنتهى فواجع اليوم إلى الفاجعة الأكبر، فاجعة موت أحلام وتطلعات ونضالات ومواقف وتضحيات ومصالح شعب سوريا العربى الرائع والمدهش والنبيل.

***

أول سؤال يخطر على بال الملايين العرب، الذين يضعون أيديهم على قلوبهم وجلا مما سيأتى به المستقبل للقطر السورى، يتعلق بالخطوط الحمر المشتركة التى لن تسمح كلُ الأطراف العربية أن يتخطاها اجتماع جنيف. ما هى تلك الخطوط الحمر وتلك المحرمات التى لن تقبل الأطراف العربية بتخطيها أو ارتكابها، مهما كانت شدة الضغوط وشيطانية الإغراءات؟

هل سيكون هناك رفض قاطع لأى اقتراب من أى حل تقسيمى، مباشر أو غير مباشر، تحت مسمى الفيدرالية أو الحكم الذاتى، لموازنة هذه الطائفة بتلك الطائفة، لتقسيم الكعكة بصورة انتهازية بين هذه الجهة العسكرية أو تلك؟

هل سيٌرفض أى اقتراب من محاكاة الوضع السُورى بالوضع العراقى الملىء بالألغام المتفجرة والعقد المجنونة والصراعات العبثية والانتحارات الجماعية؟

هل سيٌرفض بصورة قاطعة أى اقتراب من قبول سوريا المستقبل، المتعايشة مكوُناتها الدينية والاثنية والمذهبية والسياسية تحت مظلة المواطنة والحرية والمساواة والسلام الاجتماعى، مع أى وجود جهادى تكفيرى عنفى متزمُت وتحت أى مسمى ووراء أى قناع تجميلى كاذب؟

هل سيُصر من قبل جميع الأطراف العربية على عدم إقحام الموضوع الصهيونى، من خلال أى تنازل أو أى تطبيع أو أى تنسيق سورى مع العدو الصهيونى، وذلك كثمن يجب أن يدفعه نظام الحكم السورى القادم، مقدما أو أخيرا، من أجل تسهيل حل الموضوع السورى الحالى المواجه للآلام والمحن والعذابات المحبطة الحالكة السواد؟

هل سيرفض الطرف العربى رفضا قاطعا أن يكون حل الموضوع السورى على حساب استقلال سوريا وكرامة شعبها ومصالحها الحيويُة الاستراتيجية والتزاماتها القومية، وذلك من أجل تعويض أو رشوة ذلك الطرف الإقليمى أو ذاك؟، أيا كانت مواقف الأطراف الإقليمية مما جرى فى سوريا وأيا كانت الحسنات أو السيئات، وأيا تكون مشاعر الأطراف العربية المفاوضة تجاه هذا البلد الإقليمى أو ذاك؟

***

إن الإجابات يجب أن تحتكم كُلها إلى دموع ودماء وعذابات أطفال ونساء ورجالات سوريا، جميع أهل سوريا، الذين هاموا على وجوههم فى أصقاع الأرض، والذين واجهوا الجوع والخوف والإرهاب والموت والعار فى كل مدينة وقرية سورية. وإذا كانت فى قلوب الأطراف العربية الثلاثة ذرُة من مشاعر الأخوة الإسلامية والمسيحية والمحبة الإنسانية، وقليل من الالتزام القومى ومن الخوف على مصير هذه الأمة المنهكة المعذبة النازفة الجروح... إذا كانت الأطراف تحمل تلك المشاعر والمخاوف والأريحية فإنها لن تسمح لنفسها بأن تختلف حول تلك الثوابت القومية الكبرى، وهى أيضا لن تدخل فى لعبة الميكيافيلية السياسية مع هذا الغريب أو ذاك.

فيما عدا ذلك لن يهمٌنا أن تختلف الأطراف حول هذا التفصيل أو تلك الجزئية، حول هذا المؤقت أو ذاك العابر.

ما يهمنا.. ما يهم الشعب العربى، ليس انتصار هذا الطرف العربى أو ذاك، وليس بياض هذا الوجه أو سواد ذاك الوجه، وليس خزعبلات التحالفات الاستراتيجية مع هذه الدولة العظمى أو تلك الدولة الإقليمية، وإنما الذى يهمُ هو بقاء الوطن السورى العربى فى عز وبهاء، ورجوع الشعب السورى العربى إلى أحضان أمته معافى ومفعم بالأمل والأحلام، حتى يعود ذلك الشعب العظيم ليلعب أدواره التاريخية الرائعة فى سبيل وحدة وحرية وتقدم أمته.

سيكون مفجعا لو أنه باسم العقلانية والواقعية والعجز عن المقارعة يخرج علينا المتحذلقون بقبول ما لا يجب أن يقبل، بشرب السٌم للوصول إلى سراب العافية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved